حظك اليوم


حظك اليوم

١

” تصادف اليوم حب حياتك ”

لم يعهد نفسه مهتما بقراءة الابراج حتى انه بالكاد يعرف انه ينتمى الى برج الحوت اما كل تلك الاحاديث التى تدور حول صفات الابراج و خصائصها فلم يشغل باله بمعرفتها يوما من الايام ... لكن شئ غريب دفعه لان يفتح الصحيفة على صفحة الابراج ليطالع حظه اليوم ... هل هو الملل الذى يحيط به فى هذا الصباح الباكر هو ما دفعه لان يطالع هذه الصفحة او ربما يكون قدره هو الذى اراد ان يرى تلك الكلمات

٢

تصادف حب حياتك اليوم

يواصل ترديد تلك الكلمات خلال مشيه الى مقر عمله و عقله يبحر بعيد فى اعماق الماضى .

ـ تفاهات ... لا يعلم الغيب سوى الله ... تقابل حب حياتك اليوم ... لقد قابلت حب حياتى منذ وقت طويل ... و تركته منذ زمن طويل ايضا ... حتى اننى قد نسيته تماما... هل نسيته حقا؟ ... لا ادرى ”

يتمتم بهذه الكلمات اثناء جلوسه على مكتبه فى العمل فى تلك الحجرة التى ازدحمت بالبشر الذى اتوا من جهات شتى لقضاء مصالحهم.و لكن تلك الكلمات لم تمنعه من التحديق فى وجوه المترددين عليه لعله يجد فيهم من يستحق ان يكون حب حياته

" تصادف حب حياتك اليوم ... ترى من تكون حب حياتى التى انتظرها طوال اليوم ... هل تكون تلك السيدة العجوز التى تسابقت الايام فى حفر اثارها على وجهها ... لا انكر انى قد احببتها فقد ذكرتنى بامى فى طيبتها ... ام تكون تلك الحسناء التى اختفت لتوها من امامى ماضية الى حيث لا اعلم ... نعم لقد كانت فى قمة الحسن و لكنى توقفت امام ذلك الخاتم الذى زين احدى اصابعها ... لقد ظفر بهذا الجمال الملائكى رجل اخر ... لا ادرى لماذا اتعب عقلى بهذا الامر و انا اعلم انه مجرد تخاريف "

٣

" تصادف حب حياتك اليوم "

يعاود ترديد هذه الكلمات مرة اخرى اثناء سيره فى الشارع و الذى من المفترض ان ينتهى به حيث يسكن و لكن اقدامه تقوده الى طريق اخر ... يطالع وجوه الناس الذى قد ازدحم به الطريق ... نظرات ضائعة بين الناس ... يقابلها البعض بالازدراء و البعض الاخرى بالشفقة على حالته المزرية و التى وضحت على اسلوب ملبسه ... فالعيش بدون وجود من يهتم بك قادر على ان يصل بك الى تلك الحالة .تقوده نظراته الى الناحية الاخرى من الطريق ليلمح شبح ابتسامة على الجهة الاخرى.ينظر مرة اخرى الى الناحية الاخرى من الطريق ليتأكد من حقيقة ما رأه ... تلك الابتسامة الساحرة مازال يراها حتى و ان توارت خلف تلك الامواج البشرية التى تزحف عبر الطريق .

" اليوم لم ينتهى حتى الان ... هذا يعنى ان فرصتى لم تنتهى بعد "

تتحرك شفتاه ببطء لتفسح المجال امام صفا من الاسنان لتظهر شبه ابتسامة بدت و كانها قد ضلت طريقا على هذا الوجه الذى لم تعرف ملامحه الابتسام سوى مرات قليلة خلال سنوات عمره التى قاربت على الاربعين ... تعتريه الفرحة عندما يتلقى ردا بابتسامة اكبر من سابقتها ... يتحرك ليعبر الى الجهة الاخرى من الطريق ... ليتلقى وابل من السباب من احدى سائقى السيارات بعد ان كاد ان يدهسه بسيارته و لكنه يكمل عبور الطريق غير مهتم بكل ما حوله تاركا لكل احساسيه الفرصة للاندماج مع تلك الحسناء التى تنتظره على الجهة الاخرى ... الفرصة للاندماج مع تلك الملامح الملائكية التى بدت فى قمة التناسق مع تلك الخصلات الشقراء التى انسابت على وجهها رغم محاولاته لعقد شعرها الى الخلف لينساب على ظهرها ... ينجح فى عبور الطريق المزدحم ليتجه نحوها و مازالت تلك الابتسامة تحتل مساحة من ملامحهما ... تخبو ابتسامته ... تتلاشى ... تموت ... ينظر اليها ليجدها لا تنظر اليه ... يتلفت حوله ليرى الى ماذا تنظر ليجد هيكلا لرجل تبدو رجولته مكتملة ـ ظاهريا على الاقل ـ من خلال عضلاته المفتولة يتقدم نحوها لتتعلق بذراعه و يبدأن فى السير بعيدا ... تنمو ابتسامة جديدة ... و لكنها ابتسامة بمذاق مختلف ... مذاق قاسى ... مميت ... ابتسامة سخرية من نفسه او من غبائه.

٤

ينظر الى الساعة الكبيرة المستقرة فى وسط الميدان الذى قادته اقدامه اليه ليجد انه قد تبقى فقط خمس دقائق قبل ان تنطلق الساعة فى دقاتها الاثنى عشر لتعلن نهاية يوم طويل و غريب ... يحدق فى وجوه الناس بطريقة عشوائية لعله يجد ضالته قبل مرور تلك الدقائق الخمس ... يتوقف بنظراته نحو تلك القادمة نحوه ... يتردد ... يتوقف فى مكانه و نظراته حائرة بين تلك القادمة تجاه و بين ذلك العقرب الطويل الذى قارب على ان ينهى يومه .

” دقيقة واحدة اخرى ارجوك ... ليس من العدل ان ينتهى يومى هكذا ... دقيـ ...”

و لكن قبل ان يكمل جملته تنطلق اولى دقات الساعة لتنهى اليوم و معها تمتلىء عينه بالدموع على نهاية يومه بهذه الطريقة.

٥

" تصادف حب حياتك اليوم "

يقرأ تلك الكلمات التى كتبت تحت احدى الابراج الاخرى فى اليوم التالى ... يطوى الجريدة دون ان يهتم بالنظر الى ما كتب تحت برجه ... يبتسم ابتسامة بمذاق مختلف للغاية عن ابتسامة اخرى ... ابتسامة مليئة بالثقة ... ابتسامة مليئة بالتفاؤل ... و يلقى الجريدة على الطاولة و هم بتمتم :

" تخاريف ".

تمت بحمد الله

الاحد ـ ١٨ ابريل ٢٠١٠

0 التعليقات: