إنتظار


إنتظار
(1)
أقف في انتظار قدوم الحافلة التي سوف تقلني بعيدا عن هذه البلدة في محاولة للهروب من تلك الذكريات الأليمة التي ما زالت تحيط بى من كل الاتجاهات.
تستمر الأمطار في عزف ألحانها الخاصة عبر طرقاتها على كل ما يتواجد في طريقها من أسطح في تناغمها المثير مع ومضات الرعد الجميلة أحيانا و المرعبة كثيرا
و لكنى في وسط ذلك الجو الصاخب اجدنى لا أقوى سوى على الصمت مع بضع نظرات ما زلت القيها على تلك المدينة في محاولة بائسة للاحتفاظ بتفاصيلها لأكبر فترة ممكنة.
(2)
استيقظ من خيالاتي على صوتها الحالم الذي انطلق فجأة ليجعل كل تلك الضوضاء تختفي أمام عذوبته
- هل لى أن احتمى من تلك الأمطار تحت مظلتك ؟
أتردد قليلا أمام غرابة طلبها و أنا انظر إليها لأجد عيونها الزرقاء تنظر إلي في رقة اخفت ورائها الكثير من الحزن قبل أن تختفي خلف خصلة من شعرها الأشقر التي تحركت بفعل الهواء... أجد نفسي منطلقا خلف خصلات شعرها المتطايرة قبل أن أقول لها:
-تفضلي المظلة.
- وأنت ؟
- لا بأس في بامكانى احتمال المطر قليلا .
- إذن احتفظ أنت بمظلتك .
- حسنا لنتشاركها سويا .
(3)
أتحرك نحوها بالمظلة لتدخل تحتها لنحتفظ ببعض السنتمترات القليلة تفصل بيننا على ذلك المقعد الخشبي القديم.
- إلى أين أنت مسافرة ؟
أبادرها بسؤالي فى محاولة فاشلة لإخراجها من حالة الحزن التي ألحظها فى عينيها قبل أن تشتد العاصفة التي جعلتها تلتصق بى في محاولة للاحتماء من العاصفة .
- إلى أين أنت مسافرة ؟
اكرر سؤالي مرة أخرى و لكنى للمرة الثانية لا أتلقى اى جواب لأنظر إليها لأجدها قد أغمضت عينيها و استسلمت للنوم .
(4)
" يبدو أنك عنيت الكثير أيتها الملاك الرقيقة... نعم أنا لا اعرفك من قبل و لكن نظراتك توحي بانك تحاولين الهرب من ذكرى مؤلمة مثلى و أنا كنت اظننى الوحيد الذي يحاول الهروب ... يبدو أننا أيضا عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا نجد من يشاركنا الهرب... اغمضى عينيك فلا بأس من قليل من الراحة حتى عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا الأليمة "
هكذا كنت اهمس لنفسي عندما وجدتها ازدادت تمسكا بى و هي تهمس بكلمات غير مترابطة كأنها تتحدث و هي نائمة :
- لماذا ... لقد ضحيت بالكثير ... تفضلها على ... لن تحبك مثلى
قبل أن أحس بدموعها الدافئة تبلل كتفي و أن اتكئ على المقعد الذي نجلس عليه و أن اهمس:
- لا بأس بقليل من الراحة حتى عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا الأليمة
(5)
استيقظ لأجد العاصفة قد انتهت و ذلك الملاك الرقيق قد رحل تاركا لي ورقة صغيرة كتب فيها:
" شكرا على المظلة ... اعذرني فانا لم استطع ايقاظك عند حضور الحافلة ... يبدو انك لم تذق طعم الراحة منذ أيام ... أنا مسافرة إلى حيث تاخذنى قدمي بعيدا عن كل ذكرياتي التي أريد أن أنساها ... الم تسالنى إلى أين أنا مسافرة ؟ ... اعذرني فالحافلة على وشك المغادرة ... إذا أردت إن تتابع الهرب مثلى استقل الحافلة التالية فلربما نلتقي مرة أخرى ... فلا بأس من القليل من الراحة حتى عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا الأليمة كما كنت تقول ... إلى اللقاء"
ابتسم و أنا أعاود قراءة الرسالة مرة أخرى... حتى عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا الأليمة نقابل الكثير من الذكريات السعيدة التي تستحق أن نتحمل الكثير في سبيل أن نظل أوفياء لها ... قبل أن احمل حقيبتي لاسلك طريق العودة إلى منزلي فهذا المكان أصبح يحمل أجمل ذكرى من الممكن أن احتفظ بها ... ذكرى أجمل إمراة قابلتها ذات يوم حتى و إن كنت لا اعرف اسمها.
تمت بحمد الله
كتبت بين
1 مارس 2009 – 7 أكتوبر 2009