اللاشئ

اللاشئ



على الهامش : هناك بعض الحماقات التى يجب ان ترتكبها ... لاننا سواء فعلتها او لم تفعل تظل مجرد احمق



فى ذكرى الحماقات الواجبة ... فى ذكرى مرور خمسة اشهر على اخر حماقاتى ... فى ذكرى اثنان و عشرون عاما من الحماقات الواجبة و المتتالية.
(1)
" لم يكن هناك شئ ... أى شئ ... عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون "
ينطق هذه الكلمات للمرة العاشرة منذ جلوسه امامى على ذلك المقعد الوثير الذى استقر فى احد اركان عيلدتى حيث يلجأ الى الكثير من الاشخاص عندما يحسون برغبتهم فى التحدث ... يأتون الى هنا ليتحدثوا الى الامور التى تؤلمهم و تضايقهم ... يأتون ليتحدثوا الى انفسهم من خلالى ... لا ادرى اذا كانت ثقتهم بى تأتى من تلك الشهادة المعلقة امامهم على الحائط ... ام لعلمهم اننى اقسمت الا ابوح باسرارهم لاى شخص كان ... الكل يبدى مقاومة فى البداية لمحاولاتى استدارجى لهم ليتحدثوا و لكنهم غالبا ما ينهارون و يبدأون فى التحدث خلال دقائق معدودة من حديثى معهم ... و لكن هذه المرة مختلفة فهذا الشخص الشاحب لم يأتى الى عمدأ بل التقيت به مصادفة فى احد المقاهى التى امضى بداخلها معظم اوقاتى ... فى البداية لفت انتباهى بحالة الشحوب التى كان عليها ... اقتربت منه و حاولت ان ابدأ معه الحديث و لكن الامر لم يكن بهذه السهولة ... و هاهو الان يستلقى على مقعد فى عيادتى القريبة من ذلك المقهى بعد عدة محاولات مضنية ان يأتى الى هنا حتى نتحدث قليلا بعيدا عن الضوضاء ... و ها نحن هنا للمرة العاشرة و لم اسمع منه سوى هذه الجملة التى لازلت لا افهم معناها.
(2)
" لم يكن هناك شئ ... اى شئ ... لم اكن سوى مجرد احمق مازال يكرر اخطاء الماضى بنفس السذاجة و الغباء ... عند اللاشئ ... هكذا كنا ... نحن لم نعرف بعضنا البعض من قبل ... و لكنى كنت مجرد احمق لديه استعداد فطرى ليعشقك من النظرة الاولى ... احمق لديه ميل فطرى تجاه عيونك الزرقاء و شعرك الاشقر ... عند اللاشئ ... هكذا نحن ... و لكنى كنت مجرد احمق عندما احببتك ... عندما اصبحت اغار عليك من اى شخص غيرى يمر بجوارك او يتحدث معك ... مجرد احمق عندما تخيلك من اجلى و لاجلى فقط ... عند اللاشئ ... هكذا سنكون ... و سوف اظل مجرد احمق يبدع فى اهدار الفرص و يحترف الحزن و لا يتعلم من اخطاء الماضى ... مجرد احمق مازال لديه استعداد ليعشقك ... يتخيلك لاجله فقط ... يفاجأك باعلانه الحب من دون اى مقدمات ... ينتظر ردك الذى سوف يغيب كعادتك دائما ثم يأتى على عكس ما يتمنى ... لذلك عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون ... و سأظل انا مجرد احمق "
هكذا تكلم فجأة و بدون اى مقدمات بعد اثنى عشر جلسة طويلة.
(3)
انظر اليه بتمعن رغبةً منى فى ان يستمر فى الحديث الذى استطعت اخيرا ان اجذبه اليه و لكنه يفاجأنى بسؤالى عما قاله منذ قليل ... اخبره بانه اخيرا استطاع ان يكسر حاجز الخوف بداخله و ان عليه ان يستمر فى الحديث حتى استطيع ان احدد مشكلته بدقة
- و لكن من انت؟
- انا طبيبك النفسى المعالج
- طبيبى؟! و لكنى لم ازر يوما طبيباً نفسياً
- هذا صحيح ... و لكن حالتك النفسية جعلك من تدخلى ضرورة لمساعدتك.
- مساعدتى فى ماذا ؟!
- انت تمر منذ ايام عديدة بحالة شديدة من الاكتئاب تجعلك صامتاً طوال الوقت حتى انك منذ اثنى عشر جلسة لم تنطق سوى بجملة واحدة.
- و ما هى هذه الجملة؟
- " عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون.
- نعم تذكرت ... و لكن من نحن؟
- لا ادرى فانت لم تبدأ فى الحديث معى سوى الان ... رغم انى احاول معك منذ اثنى عشر جلسة كاملة.
- لا اتذكر اى شئ ... و الان اسمح لى فى الانصراف فانا على خير ما يرام و لا احتاج لطبيب نفسى ليعالجنى.
- و لكنك تعانى من اكتئاب حاد.
- من اخبرك بذلك ... انا لا احس برغبة فى الانتحار او فقدان فى الشهية للطعام او غيرها من اعراض الاكتئاب.
- و لكن .... ؟
- و لكن كل ما فى الامر اننى احتجت بعض الوقت لكى اطوى صفحة ما من حياتى.
- ما هى هذه الصفحة؟
- لا اتذكر جيداً ... و لكن على ما يبدو انها قصة لشخص احمق و حسناء حتى اننى لا اتذكر كيف انتهت ... فقط اتذكر جملة واحدة كان يكررها هذا الاحمق بحزن.
- ما هى هذه الجملة؟
- " عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون " ... لا ادرى لماذا تبدو هذه الجملة مضحكة عندما تقال غير ان ذلك الاحمق كان يقولها و هو يبكى ... و الان اعذرنى فلدى جدول مزدحم بالاعمال الواجب تنفيذها.
قال جملته الاخيرة و هو يعتدل فى جلسته على المقعد قبل ان يصافحنى بحرارة ... يتحرك نحو الباب ليخرج ثم يغلق الباب و يمضى فى طريقه
(4)
اضع فنجان القهوة على الطاولة امامى فى ذلك المقهى الذى اعتدت ان اقضى فيه معظم وقتى لقربه من مكان عملى قبل ان تمتد يدى الى الجريدة لاتابع العناوين فى عجالة ... اعتدل فى جلستى فجأة ... اعاود قراءة الخبر المنشور عدة مرات ... اضع الجريدة على الطاولة امامى مفتوحة على صفحة كتب فيها:
" الامن يعثر على جثة مجهولة فى قاع النهر ... لم يعثر على اى اوراق ثبوتية فى جيب الضحية ... فقط رسالة كتب فيها :
لقد حان الوقت لكى انهى بنفسى سلسلة حماقاتى المتتالية و ان استقر هناك ... عند اللاشئ "

تمت بحمد الله تعالى
الثالث من مايو عام 2011