اعتذار



اعتذار




يدخل الى المقهى ... يجلس على طاولته المعتادة البعيدة نسبيا عن ازدحام المقهى ... ينظر الى ساعته التى تجاوزت الحادية عشر بقليل ... يضيف ملعقة اخرى من السكر الى فنجان القهوة الموضوع امامه على الطاولة بعد ان احس ببعض من المذاق المر ... حتى القهوة لم يحسم بعد موقفه النهائى منها ... لم يحدد اذا كان يحب مذاقها الخالى من السكر او اذا كان يفضل ان يشربها بعد اضافة السكر ... ينظر الى ذلك الكتاب المستقر على الطاولة ... تمتد يديه الى ذلك الكتاب الذى حمل اسمه على الغلاف ليخرج من داخله بعض الاوراق البيضاء ليضعها على الطاولة قبل ان يخرج ذلك القلم الذى يحتفظ به دائما فى جيبه ليذكره بشئ ما ... يتناول قليلا من قهوته قبل ان يبدأ فى الكتابة :
" على الاغلب ان هذه رسالتى الاخيرة اليك ِ ... اعلم اننى قد ازعجتك كثيرا برسائلى السابقة ... أكتب اليك لاعتذر منك أو من نفسى على الارجح ... لا ادرى لماذا تورطت فيك الى هذا الحد ... ربما كان كل هذا خطأى ...لا ادرى و لكننى اصبحت فجأة متورطا فيكِ ... لم يعد من المهم ان نعرف ممن كان الخطأ ... فقط المهم اننا اصبحنا نعرف انه لا توجد نهايات اخرى بيننا ... فقط نهاية واحدة تبقت و علينا ان نقبل بها طواعية بدلا من ان تفرض على علينا ... اعذرينى لاننى لم ارضى غرورك كما ينبغى ... اعذرينى لاننى لم اجد يوما التعامل مع النساء ... ربما اجيد كتابة ما اشعر به ... و لكننى لا اجيد قوله.
هل كان كل ذلك خطأى ؟ ... هل كان اكبر اخطاء عندما وضعتك خيارى الاوحد ... ام انه خطأك عندما كنت دوما كما اردتك و تمنيتك ... لم يعد من المهم ان نعرف ... تعدد الاسباب و الموت واحد.
اعذرينى لاننى حتى الان لم اتخذ موقفا واحدا منك ... هل احببتك بالفعل ام اننى فقط اردت لن تكونى قصتى الكبرى ... هل عشقتك لذاتك ام اننى فقط عشقت كونك تلك الحسناء ذات الشعر الاشقر التى تصادفنى لتقلب حياتى رأسا على عقب ... ام اننى اغرق فيك حتى حدود المالانهاية و لكنها مجرد عبارات للاستهلاك الجأ اليها لابرر هزيمتى و سقوطى امامكِ ... لم يعد من المهم ان احسم موقفى منك ... كل القصص يبقى بها شئ غامض الى الابد ... كل القصص تترك لنا الكثير من الاسئلة بلا اى اجابات ... لماذا جوليت ؟ ... الم يكن حول روميو من هى اجمل من جوليت ؟ ... لماذا اختار كل منهما الاخر ليقوده الى قبره ؟ ... ربما لو لم يلتقيا معا لعاش كل منهما حياة و احداث مختلفة و ربما نهايات مختلفة ايضا ... و ربما لو حدث كل ذلك لذهبا الى القبر معا ... لا احد يعلم .
هنالك العديد من الرهانات الخاسرة التى نعاود المراهنة عليها رغم معرفتنا المسبقة بانها خاسرة ... لماذا؟ ... لا ادرى و لكن ربما بحثا عن ضربة حظ ... و انت كنت دوما كل رهاناتى الخاسرة ...كنت دوما رهانى الاوحد ... و لكن لم يكن هنالك ابدا اى ضربة حظ .
لقد قرأت يوما اننا عندما نكتب عن شخص فاننا نكتب لنقتله و نمنحه قبرا ليسكن فيه الى الابد* ... و لكننى اكتشفت اننا بعد ذلك نصنع من تلك القبور اضرحة نظل نذهب اليها لنتمسح فى جدرانها و لنطلب العفو على اخطاءنا الماضية ... لذلك اهديك هذا الكتاب الذى حمل اسمى على غلافه ... و لكنك انت من استقر بداخله ... اهديك هذا الضريح فربما نلتقى ذات يوم عندما اتى لازور ضريحك طمعا فى الرحمة و الغفران.
اعذرينى مرة اخرى لاننى ازعجتك مجددا ... لا اعرف ان كنت ستضيعين بعضا من وقتك فى قراءة رسالتى ام انك ستبخلين عليها بتلك الدقائق القليلة ... فقط اعرف انه وجب على كتابة هذه الرسالة لاعتذر لنفسى على الاقل ... و لتبقى كل الاسئلة بلا اجابات "
يرشف اخر قطرات القهوة من فنجانه ... ينظر الى المقهى من حوله بعد ان فرغ من معظم رواده ... ينظر الى ساعته التى تجاوزت الواحدة صباحا ... يجمع اوراقه و الكتاب فى مظروف كبير قبل ان يدون عنوانا على صدره ... يرتدى معطفه و يترك المقهى ليسير تحت الامطار التى بدأت فى التساقط فى اشارة منها الى ان الشتاء القادم سوف يكون باردا للغاية بحثا عن اقرب صندوق بريد.
تمت بحمد الله
11\7\2011




اللاشئ

اللاشئ



على الهامش : هناك بعض الحماقات التى يجب ان ترتكبها ... لاننا سواء فعلتها او لم تفعل تظل مجرد احمق



فى ذكرى الحماقات الواجبة ... فى ذكرى مرور خمسة اشهر على اخر حماقاتى ... فى ذكرى اثنان و عشرون عاما من الحماقات الواجبة و المتتالية.
(1)
" لم يكن هناك شئ ... أى شئ ... عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون "
ينطق هذه الكلمات للمرة العاشرة منذ جلوسه امامى على ذلك المقعد الوثير الذى استقر فى احد اركان عيلدتى حيث يلجأ الى الكثير من الاشخاص عندما يحسون برغبتهم فى التحدث ... يأتون الى هنا ليتحدثوا الى الامور التى تؤلمهم و تضايقهم ... يأتون ليتحدثوا الى انفسهم من خلالى ... لا ادرى اذا كانت ثقتهم بى تأتى من تلك الشهادة المعلقة امامهم على الحائط ... ام لعلمهم اننى اقسمت الا ابوح باسرارهم لاى شخص كان ... الكل يبدى مقاومة فى البداية لمحاولاتى استدارجى لهم ليتحدثوا و لكنهم غالبا ما ينهارون و يبدأون فى التحدث خلال دقائق معدودة من حديثى معهم ... و لكن هذه المرة مختلفة فهذا الشخص الشاحب لم يأتى الى عمدأ بل التقيت به مصادفة فى احد المقاهى التى امضى بداخلها معظم اوقاتى ... فى البداية لفت انتباهى بحالة الشحوب التى كان عليها ... اقتربت منه و حاولت ان ابدأ معه الحديث و لكن الامر لم يكن بهذه السهولة ... و هاهو الان يستلقى على مقعد فى عيادتى القريبة من ذلك المقهى بعد عدة محاولات مضنية ان يأتى الى هنا حتى نتحدث قليلا بعيدا عن الضوضاء ... و ها نحن هنا للمرة العاشرة و لم اسمع منه سوى هذه الجملة التى لازلت لا افهم معناها.
(2)
" لم يكن هناك شئ ... اى شئ ... لم اكن سوى مجرد احمق مازال يكرر اخطاء الماضى بنفس السذاجة و الغباء ... عند اللاشئ ... هكذا كنا ... نحن لم نعرف بعضنا البعض من قبل ... و لكنى كنت مجرد احمق لديه استعداد فطرى ليعشقك من النظرة الاولى ... احمق لديه ميل فطرى تجاه عيونك الزرقاء و شعرك الاشقر ... عند اللاشئ ... هكذا نحن ... و لكنى كنت مجرد احمق عندما احببتك ... عندما اصبحت اغار عليك من اى شخص غيرى يمر بجوارك او يتحدث معك ... مجرد احمق عندما تخيلك من اجلى و لاجلى فقط ... عند اللاشئ ... هكذا سنكون ... و سوف اظل مجرد احمق يبدع فى اهدار الفرص و يحترف الحزن و لا يتعلم من اخطاء الماضى ... مجرد احمق مازال لديه استعداد ليعشقك ... يتخيلك لاجله فقط ... يفاجأك باعلانه الحب من دون اى مقدمات ... ينتظر ردك الذى سوف يغيب كعادتك دائما ثم يأتى على عكس ما يتمنى ... لذلك عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون ... و سأظل انا مجرد احمق "
هكذا تكلم فجأة و بدون اى مقدمات بعد اثنى عشر جلسة طويلة.
(3)
انظر اليه بتمعن رغبةً منى فى ان يستمر فى الحديث الذى استطعت اخيرا ان اجذبه اليه و لكنه يفاجأنى بسؤالى عما قاله منذ قليل ... اخبره بانه اخيرا استطاع ان يكسر حاجز الخوف بداخله و ان عليه ان يستمر فى الحديث حتى استطيع ان احدد مشكلته بدقة
- و لكن من انت؟
- انا طبيبك النفسى المعالج
- طبيبى؟! و لكنى لم ازر يوما طبيباً نفسياً
- هذا صحيح ... و لكن حالتك النفسية جعلك من تدخلى ضرورة لمساعدتك.
- مساعدتى فى ماذا ؟!
- انت تمر منذ ايام عديدة بحالة شديدة من الاكتئاب تجعلك صامتاً طوال الوقت حتى انك منذ اثنى عشر جلسة لم تنطق سوى بجملة واحدة.
- و ما هى هذه الجملة؟
- " عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون.
- نعم تذكرت ... و لكن من نحن؟
- لا ادرى فانت لم تبدأ فى الحديث معى سوى الان ... رغم انى احاول معك منذ اثنى عشر جلسة كاملة.
- لا اتذكر اى شئ ... و الان اسمح لى فى الانصراف فانا على خير ما يرام و لا احتاج لطبيب نفسى ليعالجنى.
- و لكنك تعانى من اكتئاب حاد.
- من اخبرك بذلك ... انا لا احس برغبة فى الانتحار او فقدان فى الشهية للطعام او غيرها من اعراض الاكتئاب.
- و لكن .... ؟
- و لكن كل ما فى الامر اننى احتجت بعض الوقت لكى اطوى صفحة ما من حياتى.
- ما هى هذه الصفحة؟
- لا اتذكر جيداً ... و لكن على ما يبدو انها قصة لشخص احمق و حسناء حتى اننى لا اتذكر كيف انتهت ... فقط اتذكر جملة واحدة كان يكررها هذا الاحمق بحزن.
- ما هى هذه الجملة؟
- " عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون " ... لا ادرى لماذا تبدو هذه الجملة مضحكة عندما تقال غير ان ذلك الاحمق كان يقولها و هو يبكى ... و الان اعذرنى فلدى جدول مزدحم بالاعمال الواجب تنفيذها.
قال جملته الاخيرة و هو يعتدل فى جلسته على المقعد قبل ان يصافحنى بحرارة ... يتحرك نحو الباب ليخرج ثم يغلق الباب و يمضى فى طريقه
(4)
اضع فنجان القهوة على الطاولة امامى فى ذلك المقهى الذى اعتدت ان اقضى فيه معظم وقتى لقربه من مكان عملى قبل ان تمتد يدى الى الجريدة لاتابع العناوين فى عجالة ... اعتدل فى جلستى فجأة ... اعاود قراءة الخبر المنشور عدة مرات ... اضع الجريدة على الطاولة امامى مفتوحة على صفحة كتب فيها:
" الامن يعثر على جثة مجهولة فى قاع النهر ... لم يعثر على اى اوراق ثبوتية فى جيب الضحية ... فقط رسالة كتب فيها :
لقد حان الوقت لكى انهى بنفسى سلسلة حماقاتى المتتالية و ان استقر هناك ... عند اللاشئ "

تمت بحمد الله تعالى
الثالث من مايو عام 2011

الدائرة

الدائرة

على الهامش : جميعنا نمارس نفس اللعبة ... و ان اختلفت الادوار و الاسماء

(1)
يرتفع صوت هاتفى معلنا عن وصول رسالة جديدة ... انظر الى الساعة التى لم تتجاوز الثامنة صباحاً ... تمتد يدى لتلقط الهاتف من على الطاولة قبل ان أقرأ تلك الرسالة ... " أسعد الله صباحك " ... انظر الى اسم مرسل الرسالة و ان كنت اتوقعه منذ البداية ... انه انتِ كعادتك كل صباح ... نفس الرسالة فى نفس الموعد تقريبا ... اضغط على ازرار الهاتف لاكتب اليكِ رسالة جديدة ... " أسعد الله صباحكِ " ... اضيف رقمك و ارسل الرسالة ... نفس الرسالة فى نفس الموعد تقريباً.
(2)
يرتفع مجددا صوت الهاتف معلنا عن وصول رسالة اخرى ... دائما ما تحمل رسائلك اكثر من معنى ... تريدين ان تقولى ما بداخلك و لكنك تصرين على عدم ارتكاب المصارحة معى ... ربما تصرين على هذا عمدا او خجلا او خوفا او ربما لسبب اخر لا اعرفه ... اضغط على ازرار الهاتف لكى اكتب رسالة جديدة ... دائما ما تحمل رسائلى اكثر من معنى ... و لكنى اعرف اى معنى اقصد ... و اعرف لماذا اصر على عدم ارتكاب المصارحة معك ... اصر على ذلك عمداً ... اضيف رقمكِ و ارسل الرسالة.
(3)
الان اصبحت اعرف الوقت من خلال رسائلك التى على ما يبدو تصرين على الحفاظ على اوقات استلامى لها ... لا ادرى اذا كنت تعرفين على وجه الدقة طريقتى فى ممارسة طقوسى اليومية ام ان كل هذا فقط بمحض الصدف ... أقرأ رسالتك ... تتحرك اصابعى على ازرار الهاتف لاكتب لكِ رسالة جديدة لكى تصلك فى الموعد المحدد ... نعم انا اعرف عنك كل شئ ... اعرف اكثر مما تتوقعين ... اعرف الكثير الذى يجعلنى اعرف ما الذى تفعلينه الان و ما هى محطتك التالية ... اعرف الكثير الذى يجعلنى قادر على اختيار اوقات ارسال رسائلى بدقة بالغة لكى تعلمى اننى اعيش معك يومك لحظة بلحظة ... اضيف رقمك و ارسل الرسالة لتصلك فى الوقت الذى اريده مثل كل يوم.
(4)
انتظر رسالتك التالية و التى دائما ما تكون الاخيرة لليوم و التى دائما ما تأتينى قبل ان اذهب الى النوم ... يرتفع صوت الهاتف للمرة الاخيرة لهذا اليوم مع دقات الحادية عشر ... " احلاماً سعيدة " ... اعاود قراءة رسائلك لهذا اليوم قبل ان اجمعها و اضعها فى ملف واحد يحمل اسمك ... " أحلاماً سعيدة " ... اكتب الرسالة و ارسلها اليكِ ... ارسلها لكى تصلك فى تمام الحادية عشر و النصف ... فى الوقت الذى تضعين فيه رأسك على الوسادة لتحصلى على بعض الراحة ... اعاود قراءة رسائلى اليك هذا اليوم قبل ان اجمعها فى ملف واحد تزين بأسمك ... لا ادرى لماذا تبدو رسائلك الى مشابه لتلك الرسائل التى ارسلها انا اليها ... يبدو اننا جميعا نمارس ادوارنا باتقان داخل هذه الدائرة ... الان يجب ان احصل على قسط من الراحة لكى استعد لجولة جديدة من رسائلك الى و رسائلى اليها ... لذلك احلاماً سعيدة لكل منكما.
تمت بحمد الله تعالى
الخامس من مايو 2011

اللعبة


اللـــعـــبــــــــــة
على الهامش : نعم ... لازلت احبك و لكن بعض الحب مكانه قصاصات الذكريات ... يبقى لاننا لا نستطيع ان نمحوه من ذكراتنا ... يبقى دائما ليذكرنى باجمل امراة قد عشقتها ذات يوم.
(1)
" الحب الاحادى هو انبل انواع الحب و افضلها على الاطلاق ... لانه حب بدون غاية ... حب حكم عليها غيابيا بالاعدام دون ان يحظى بمحاكمة عادلة ... حب يبقى عالقا داخلنا طوال ايام حياتنا ... و لكنه فى نفس الوقت اكثر انواع الحب ايلاما ... لا اعلم لماذا اجد ذاتى فى هذا النوع من الحب ... هل لاننا انساق اليه رغما عنى فاجد نفسى مجبرا على التعايش معه ... ام لاننى حتى الان لم اجرب اى نوع من انواع الحب غير هذا النوع ... و لكن رغم ذلك لا انكر انه له شاعرية خاصة جدا ربما تنبع هى الاخرى من مأساويته ... جميل ان يتسع قلبك ليحتوى صور لاشخاص ظننت يوما انهم هم من يستحقوا هذا الحب حتى اتضح العكس ... و لكن من هو السبب ... هل هم لانهم لم يستطيعوا ان يحسوا بمقدار الحب الذى تحمله لهم ... ام انا لانك لم تستطيع ان تعبر لهم بالطريقة المثلى عن مقدار ذلك الحب ... و لكن ما هى الطريقة المثلى؟ ... لا اعرف.
(2)
لا ادرى لما احسست بشئ تجاهك منذ المرة الاولى التى رأيتك فيها ... لا ادرى لماذا عشقت عيونك المائلة الى الزرقة ... لا ادرى لماذا عشقت شعرك الاشقر و ان كنت لم اراه و لكنه يجب ان يكون اشقر لتكتمل روعة اللوحة... اى لون اخر سوف يكون بقعة تخرب جمال اللوحة ... ربما كانت تلك الطفولة البرئية فى ملامحك هى السبب الاكبر فى عشقى لك ... و لما لا فانتى بالفعل طفلة رغبت يوما ان تكون طفلتى ... رغبت ان تكبرى بين ذراعى و بجوارى ... رغبت ان اضيف بعض البهجة الى لوحتى بحضورك ... فكرت فى انك تستطيعين ادخال الكثير من الالوان المبهجة الى لوحة يكسوها اللون الاسود و الرمادى ... لوحة تركت فيها مساحة بيضاء لتتسع لحضورك ... مساحة اصبحت سوداء لاننى لا اريد امراة غيرك لتسكن بداخلها ... لماذا انجذبت اليك ؟... لا اعرف.
(3)
ربما كانت اروع لحظات قصتى معك هى تلك التى اجلس فى المساء استمع الى احد ممن يعرفونك لعله يميل بالحديث تجاهك فاعرف عنك المزيد ... و لكن حتى المزيد لم بكن كافى بالنسبة لكِ ... لقد عرفت عنك الكثير و جهلت عنك الاكثر ... عرفت كم تحبين السهر ليلا ... عرفت كيف تمارسين طفولتك بمشاهدة افلام الرسوم المتحركة ... عرفت ان تكرهين الاستيقاظ مبكرا ... عرفت كيف كنت تتركين انوار غرفتك مضأة حتى الفجر و انت تجلسين امام كتبك ... عرفت الكثير و لكن لا ادرى لماذا لم الاحظ مدى التناقض بيننا الا الان ... لا ادرى لما لم الاحظ اننا نمارس طقوسنا بشكل معكوس ... اذهب الى النوم فى الوقت الذى تستعدين فيه لبدأ يومك ... و تنامين فى اوقات يقظتى ... كانما القدر كان يحاول ان يخبرنا اننا لن نستطيع ان نكون معنا ... و ربما كان ذلك يجعلنى اعشقك اكثر ... و ربما لاننى فقط اردت ان احبك ... لا اعرف.
(4)
تصوب فوهة المسدس و تضغط على الزناد و ينتهى كل شئ ... ينتهى فى اقل من ثانية ... هكذا كان لعبتنا او هكذا اخترت انا ان العبها ... لعبتها بطريقتى المفضلة و المحببة ... لعبة الفرصة الواحدة ... تصوب و تضغط على الزناد ... فى اقل من ثانية تربح كل شئ او تخسر كل شئ ... ثانية واحدة حيث لا يوجد وقت للمساوامة ... حيث لا يوجد مكان للتنازلات ... فقط ثانية و ينتهى كل شئ ... ربما لم اعرف عنك ما يكفى ... ربما لم اعبر لك بالطريقة المثلى التى تفضلينها ... ربما كنت متحفظا اكثر مما ينبغى بالنسبة لاعتبارات اخرى ... و ربما اخطئت فى اختيارك انت ... و ربما كان شئ اخرى ... لا اعرف.
(5)
نعم ... لازلت احبك ... و لكن كل الفرص استنفذت ... و وجود فرصة ثانية يكاد يكون فى حكم الاستحالة ... فالطلقة الاولى تظل هى الاصعب و بعدها يعرف كل منا الاخر ... و يعرف كل منا ماذا يريد من الاخر و ماذا يريده منه الاخر ... لتنكشف كل الاوراق التى نحاول اخفائها ... لا زلت احبك ... و لكن انا قد انتهيت دورى فى تحريك قطعى على رقعة الشطرنج التى تجمعنا سويا ... و انا الان فى انتظار دورك فى اللعب ... فى انتظار احدى حركتين لم تعد احداهما تمثل مفاجاة بالنسبة لى ... اما ان ننهى اللعبة بفوز احدانا و ان كنا لا نعلم من منا سوف يكون هو الفائز ... او ان نصل الى التعادل لنبدأ جولة جديدة من اللعب .

لعبة الاحتمالات


لعبة الاحتمالات
تتشابك بداخلى المشاعر ... احاسيس متضاربة تتقاتل من اجل حجز مكان بداخلى ... تتحارب من اجل ان تعبر عن نفسها على ملامحى ... بداخلى احساس بالحزن الممتزج بالفرح ... احساس بالكأبة المختلطة بالفخر ... لا ادرى ان كان ذلك حقيقة ما اشعر به ام انها واحدة من تلك الخدع الكلاسيكية التى قد يلجأ اليها العقل البشرى فى محاولة من حدة الامور التى يعتقد انها قد تتسبب فى صدمة لنا.
الحب و الحرب كلاهما معركة ... و دائما الفائز يبقى خاسرا فى النهاية ... فى الحرب يتحقق النصر فوق جثث و احلام الجنود ... و فى الحب تدور المعركة فوق قلوب و امانى العزل ... السلام مفهوم منقوص غير مكتمل ... السلام هو الطف و اعظم الاسماء التى قد نطلقها على معركة خسرها الطرفين ... معركة لم يكن احداهما بالقوة اللازمة ليربحها.
الحب هو اكبر لعبة من العاب المقامرة و الوهم التى عرفها الانسان فى يوم من الايام ... لعبة الاحتمالات ... تحب شخص لا يحبك ... يحبك شخص لا تحبه ... و تبدأ عجلة الروليت فى الدوران ... و تبدأ احجار النرد فى التراقص على الطاولة ... تبدأ لعبة طويلة من الاحتمالات قد تنتهى بحصولنا على نتيجة و قد تستمر اللعبة الى ما لا نهاية ... نضع الرهان و تتعلق اعيننا بعجلة الروليت و احجار النرد ... لا نفكر عندما نضع رهاناتنا و لكننا غالبا ما نخضع رهاناتنا لعواطفنا و اهوائنا و التى غالبا لا تتماشى مع اهواء الاخرين.
تبدأ اللعبة ... و تبدأ معها حلقة من الرهانات الخاسرة و الاحتمالات الخاطئة ... شخص واحد يخرج فائزا من اللعبة و يترك الكثيرين ورائه ليندبوا حظهم و سوء رهاناتهم ... و لكنهم فى الحقيقة يندبون رهانات غيرهم حتى و ان لم يعلموا.
اسوء الرهانات هى الرهانات الخاسرة ... و لكن الاسوء هو اننا على استعداد ان نراهن على نفس الاشخاص مرات و مرات متعاقبة على امل ان يتغير حظنا فى كل مرة ... و فى مقابل خيبة امل جديدة كل مرة ... و فى كل مرة نبحث عن اعذار واهية نبرر بها فشلنا .. لا ندرى اذا كنا نفعل هذا لنحسن صورتنا امام انفسنا – على الاغلب – ام امام الاخرين.
تختلط المشاعر بداخلى ... بقدر سعادتى بقدرتى على المصارحة ...بقدر حزنى على ضياع الفرصة من بين يدى ... بقدر فخرى بارتكاب فعل المصارحة ... اجدنى فى غاية الكأبة لضياع كل فرصى معكى ... لقد مرت قرابة الشهرين و انا استحضر كلماتك تلك ... قرابة الشهرين و انا احاول ان اتذكر كم كانت قاسية كلماتك ... شهرين و صورتك تقفز كل يوم و كل ساعة فوق كل ما احاول ان انساك به ... شهرين و انا اطلع وجوه النساء لاخرجك من داخلى و من داخل قلبى و عقلى لاجدنى ابحث عنكى بينهن ... ابحث عن عينيك الزرقاوتين فى عيونهن ... ابحث عن شعرك الاشقر بين خصلات شعورهن ... ابحث عنكى بلا جدوى ... شهرين و انا لا استطيع ان اتخيل امراة غيرك ... فانت من اسس مفاهيم الجمال بداخلى ... انت من علمتنى كيف تصبح المراة لوحة رائعة تستحق ان تعلق على جدران المتاحف ... انت من علمتنى ان الجمال يستحق ان نسافر خلفه مئات الاميال حتى نستمتع به للحظات ... انت من اعادة الى احترام المهوسين بالفنون و علمتنى انهم ليسوا مجانين فى ذلك ... فانا الان اكبر مهوس بكِ ... احاول لانسى فتتسللى خفية الى احلامى ... احاول ان اتماسك و لكن لا ادرى الى متى استطيع الصمود ... لا ادرى ماذا سافعل عندما القاك المرة القادمة ... و لكننى اعلم اننى لست من هولاء الذين يراهننون على نفس الرقم مرتين ... و اعلم ايضا اننى سوف ادخل مرة اخرى فى حالة من الاحاسيس المتشابكة ... حيث يختلط بداخلى احساس بالحزن الممتزج بالفرح ... احساس بالكأبة المختلطة بالفخر ... و لكن هذا الحين سوف اظل احاول ان انساك ... ان اغير مفاهيم الجمال التى رسمها وجههك الجميل بداخلى.
سبق و ان اخبرت انه يبقى ايمان بداخلى اننى قد تغيرت من اجلك انتِ ... و لكن ينبت بداخلى يقين جديد باننى اتغير من خلالك انت ... اتغير و يبقى بداخل عقلى و قلبى صورة و ايمان ... صورة شعرك الاشقر و عيونك الزرقاء و ابتسامة خلابة تأسر كل من ينظر اليك ... و ايمان بانك اجمل امراة احببتها و عشقتها ذات يوم.
تمت بحمد الله تعالى
29 ابريل 2011

العودة إلى الوراء

العودة إلى الوراء

على الهامش : ان ما نعتقد انه هو اكبر اخطاء الماضى ما هو الا افضل ما يمكننا الحصول عليه


" محاولة ثانية ... هى كل ما احتاجه الان لكى اصحح كل اخطاء الماضى ... فرصة جديدة ... حتى لا اصل الى الحالة التى انا بها الان ... احتاج الى ان اعود الى الوراء قليلا ... لاراجع كل تلك القرارت التى قمت بها ... نعم محاولة ثانية هى كل ما احتاجه الان"
تقفز هذه الفكرة التى قد تبدو فى غاية الجنون الى راسى المثقل بالافكار و القرارات التى يجب اتخاذه فى الايام القادمة بينما امارس هوايتى المحبب فى السير وسط الزحام الذى ما يلبث ان يختفى من امامى عندما تبدأ الافكار فى القفز داخل عقلى المتعب. لقد جاد عقلى بكثير من الافكار التى كانت تبدو مجنونة و لكن هذه المرة قد أتى باكثر الافكار جنونا.
" فكرة مجنونة و لكنها تبدو منطقية للغاية فى نفس الوقت"
ماذا لو امكن ان اعود للوراء لاراجع اخطاء و امكننى ان اتفادى ارتكاب كل تلك الاخطاء ... ماذا لو امكن انا اتخذ قرارات بامكانها ان تجعل حياتى افضل مما هى الان.
" و لكن ما هو اكبر خطأ ارتكبته يوما و قد ارغب فى تغييره الآن "
احاول ان استرجع ذكريات السنوات الاخيرة التى مرت فى محاولة لمعرفة اكبر خطأ ارتكبته و كيف كان يمكننى ان لا ارتكبه ... تبدو الاحداث مشوشة للغاية فى بداية الامر ... تمد يدى الى جيب المعطف لاتناول علبة السجائر و القداحة لامد عقلى بجرعة من النيكوتين لتساعده على التركيز ... اشعل السيجارة قبل ان اتوقف امام تلك القداحة ... ترتسم ابتسامة بمذاق مر على شفتي ... تلك القداحة كانت هدية من اجمل و ارق امراة قد تقابلها فى يوم من الايام ... امراة قد تندم العمر كله اذا فقدتها ... حضورها فقط كان يكفى لان يبدد كل الهموم و المتاعب من حياتك و جعلها تختفى الى الابد. امراة لابد ان تتوقف كثيرا امام ملامحها الساحرة و خصلاتها الذهبية. امراة لا يمكن ان تغيب عن ذاكراتك الى الابد. تقبع صورتها داخل عقلك و قلبك لتذكرك كل يوم بانك كنت فى غاية الحماقة عندما تترك امراة مثلها.
" لا ... لست احمق ... انا لم اتركها بل هى من اختارت ان نكون اصدقاء ... و اصدقاء فقط ... بل انا المخطئ ... لا استطيع ان الوم امراة لم تعلم يوما مقدار ذلك الحب الذى احمله بداخلى لها ... امراة ظللت احلم بها داخلى دون ان احاول ان اخبرها بحبى"
هل اعود الى الوراء لكى اخبرها بهذا الحب ... و اننى كنت و لا زلت احلم بها كل يوم ... اخبرها باننى اريدها ان تكون امراتى و حبيبتى و عشيقتى ... اخبرها بانها الوحيدة من بين كل نساء الدنيا التى تمنيت يوما ان امضى بقية عمرى بجوارها ... اودع القداحة المرة الاخيرة قبل ان القى بها فى مياه النهر الذى اعبر جسره الان ... القيها فى ماء النهر الجارى على امل ان تغسل مياه النهر عقلى و قلبى من ذكريات تلك الفاتنة.
امر من امام هذا المقهى المكتظ بالحياة و الضحكات التى تصدر من الثنائيات من العشاق و الازواج الجدد ... اتذكر زواجى البائس و المزيف ... اصعب شئ ان تجرح شخص يحبك بكل كيانه ... ليس لشئ سوى انك غير قادر على ان تبادله هذا الحب ... لا ادرى لماذا يتزايد بداخلى احساس مقيت بالذنب و الظلم ... كم كنت احمق عندما اردت ان انتقم لكبريائى و ان اثبت لنفسى انه بامكاننى ان اجد شخص يحبنى بقدر ما احببتك انت. تمدت يدى الى جيبى لاتناول هاتفى و استرجع منه رقم تلك المسكينة التى تمضى كل ليلة فى انتظرى حتى اعود الى المنزل.
" انا اعلم مدى الالم الذى اتسبب لك فيه ... و اعلم مدى الجرح الذى تحملينه بداخلك بسببى ... اعذرنى ان كنت تسببت فى كل هذه المعاناة لك ... اعذرنى اذا كنت احاول ان اداوى كبريائى المجروح بجرحك انت ... اعذرنى لاننى لم اكن صريحا منذ البداية ... كان يجب ان تعرفى كل شئ قبل ان نرتبط معا ... انا الآن اراهن على حبك لى و على قدرتك على المغفرة ... اعذرنى فانا لا استطيع التفكير فى حل اخرى لهذه المأساة سوى ان احل هذا الرابط الذى يجمعنا حتى يمضى كل منا فى طريقه ... انا اطلب منك السماح مرة اخرى على هذا الخطأ الذى ارتكبته فى حق نفس قبل ان يكون فى حقك انت ... اتمنى لك التوفيق و تذكرى اننا مازال يكمننا ان نكون اصدقاء ... اصدقاء فقط ... وداعاً"
اغلق الهاتف و اضعه مرة اخرى فى جيبى قبل ان اخلع ذلك الخاتم الفضى اللامع من اصبعى و القى به فى تلك القبعة التى استقرت عند اقدام تلك الفرقة الموسيقة التى تتخذ الشارع مسرحا لها ... اعاود المسير فى ذلك الشارع الواسع الذى بدأ يخلو من رواده ... انظر الى الساعة الكبيرة فى وسط الميدان لاجدها قد تخطت الحادية عشر مساءاً ... لا اشعر برغبة فى العودة الى المنزل الان ... اشعر برغبة فى ان يمتد بى المسير الى المالا نهاية.
املح تلك الواقفة على ناصية احدى الشوارع بثيابها الضيقة و ذلك الدخان المتصاعد من السيجار البنى اللون الذى تقبض عليه باصابعها الناعمة ... املح تلك الابتسامة على وجهها فى محاولة بائسة لاستمالتى ... استمر فى السير فى نفس الشارع الذى يربط اغلب معالم المدينة ببعضها ... امر من امام واجهات المحال التجارية الشهيرة ... انظر الى تلك البذلة المعروضة فى الواجهة و انظر الى ذلك القميص الاسود الذى ارتديه ... ادخل مسرعا الى الداخل لاشترى تلك البدلة التى طالما ترددت فى شراءها ... اغادر المحل و قد ارتديت البذلة و انا احمل ملابسى القديمة فى يدى قبل ان اتركها على الرصيف المقابلة لعلها تكون هدية كريسماس مبكرة لاحدهم ... اعدل وضع رابطة العنق و اعاود المسير فى الشارع من جديد.
" الآن فقط اعتقد انى اصلحت اكبر اخطاء الماضى ... تخلصت من ذكريات امراة احببتها يوما طالما عذبتنى ذكراها ... ارحت ضميرى من احساس بالذنب تجاه امراة اخرى تسببت لنفسى و لها بالكثير من الالم و المعاناة ... استعدت روحى التى طالما اهملتها و انشغلت عنها ... الآن فقط انا مستعد انا ابدأ حياة جديدة من دون اخطاء ... و الآن فقط استطيع ان اعود الى المنزل استعداداً ليوم جديد كلياً"
اعاود ادراجى فى نفس الطريق الذى يبدو ان اختلف جذريا عن المرات السابقة ... يبدو الان اكثر اشراقا و تفاؤلا ... رغم ان الساعة قد تجاوزت الواحدة مساءاً ... مازالت الدخان يتصاعد من سيجار تلك الفتاة التى مازالت فى مكانها و ان قابلتنى هذه المرة بتكشيرة مفتعلة صاحبها القليل من السباب اللاذع ... امر مرة اخرى من فوق الجسر ... لم يتبق الكثير حتى اصل الى المنزل.
" اين كنت حتى الان؟ الا تعلم اننى اخاف عليك ان يصيبك مكروه؟"
تطالعنى زوجتى بوجهها القلق و هى تتعلق بقميصى الاسود الذى ازداد اتساخاً ... اهدأ من روعهها بقبلة طبعتها على جبهتها ... قبل ان تعاود حديثها:
" لقد كنت فى غاية القلق عليك خاصة و انك قد نسيت ان تأخذ هاتفك معك قبل ان تخرج"
ابتسم وانا انظر الى الهاتف الذى تحمله فى يديها ... اعدل وضع الخاتم الفضى فى اصبع قبل ان تمد يدى الى جيبى لاخفى القداحة التى حرف عليها اسمين لم يكتب لهما التواجد معا سوى على ظهر تلك القداحة الذهبية ... اصطحبها الى الداخل و انا اهمس لنفسى:
" ان ما نعتقد انه هو اكبر اخطاء الماضى ما هو الا افضل ما يمكننا الحصول عليه ... ذكرى امراة جميلة تحرك مشاعرك فى كل يوم ... شخص يحبك و يهتم بامور حياتك دون انتظار للمقابل ... لذلك نحن على استعداد ان نكرر اكبر اخطاء الماضى كلما سنحت لنا الفرصة"

تمـــــــــت بـــحمـــــــــــد الله
8 فـــبـــــــرايـــــــــــــر 2011

البقعة السوداء

البقعة السوداء

(1)
ترتدى ذلك الفستان الذى اكتسى باللون الابيض ... تنظر فى المراة ... تعدل تلك الخصلات الشقراء التى انسابت على وجهها الابيض الجميل الذى لم يحتج الى الكثير من المساحيق لتبرز جماله ... تحضر شريط من نفس لون الفستان لتعقد بها شعرها الى الخلف ... تفاجئها تلك البقعة السوداء على ذيل الفستان ... تحاول ان تداريها و لكنها تيأس فى النهاية لتتركها على حالها على امل الا يلحظها احد ... تعاود النظر الى المراة مرة اخرى فاليوم هو اليوم الاهم فى حياتها ... اليوم الذى ظلت تنتظره لسنوات طويلة لتحقق حلمها.
(2)
يعدل من وضع ربطة العنق مرة اخرى بعد ان لاحظ ميلانها الى اليمين قليلا ... فلا مجال للاخطاء اليوم ... انه اليوم الاهم فى التاريخ ... اليوم الذى سوف يتحقق فيه الحلم ... يتناول الفرشاة ليبدأ فى تصفيف شعره الذى بدأ فى غاية اللمعان عقب تلك الجرعة المكثفة من الزيوت التى وضعها عليه ... يعاود تعديل ربطة العنق مرة اخرى رغم انها ما زالت فى مكانها ... ينظر الى تلك البقعة السوداء فى القميص ... يحاول ان يخفيها و لكنه ييأس فى النهاية ليتركها على حالها على امل الا يلحظها احد ... يمسك بالفرشاة مرة اخرى ليصفف شعره.
(3)
تنظر فى المراة مرة اخرى ... تتناول الفرشاة لتضيف المزيد من المساحيق الى وجهها الاسمر الذى خلا من اى مظاهر الجمال ... فاليوم هو يومها الاهم و التى تأمل ان يكون الاجمل ايضا عبر تحقيقها حلمها ...تمسك بالفرشاة فى محاولة يائسة لتصفيف شعرها الاسود المجعد ... تعاود النظر الى ملابسها مرة اخرى قبل ان تلحظ تلك البقعة السوداء التى استقرت على البنطال التى ترتديه ... تمسك بالمنديل فى محاولة لاخفاء البقعة و لكنها تيأس فى النهاية لتتركها على حالها على امل الا يلحظها احد ... تنظر الى المراة مرة اخرى.
(4)
تعاود تعليق فستانها الابيض مرة اخرى ... يعيد قميصه الى مكانه ... تضع البنطال مرة اخرى على السرير ... فى انتظار يوم الغد لعله يكون اليوم المنشود ... ذلك اليوم الذى طال انتظاره ... تعود الملابس الى اماكنها دون ان يلاحظ احد ان تلك البقعة السوداء قد ازدادت فى الحجم.
تمت بحمد الله
14 نوفمبر 2010

توحد

تـــوحـــد



-١-
لا ادرى لماذا ارتعدت اقدامى و انا افتح باب تلك الحجرة التى يرقد بها فى تلك المصحة العقلية التى تم ايداعه فيها من قبل عائلته بعد انه اتهموه بالجنون و بان قد اصبح خطر للغاية عليهم اذا ظل مقيما معهم فى نفس المنزل .... لم استوعب كيف يتحول ذلك الشاعر المشهور فجاة الى مختل او مجنون كما يقولون
-٢-
- هل ستظل تفكر كثيرا قبل ان تدخل الغرفة ؟ بامكانك الانصراف اذا اردت
يفاجئنى بسؤاله هذا بعد ان توقفت للحظات فى باب الحجرة بعد ان استطعت بالكاد فتح باب الغرفة ليقطع موجة كبيرة من التساؤلات كانت تجتاح رأسى فى محاولة بائسة لمعرفة سبب هذا التحول الذى انتهى به هنا ..... ابتسم بصعوبة بالغة وانا اخطو الى داخل الغرفة و اتجه اليه حيث وقف فى منتصف الحجرة تماما ..... لتمد يدي تسلم عليه و لكنه بدلا من ان يمد يده هو الاخر وجده يفتح ذراعيه ليحتضنى بقوة قائلا :
ـ يبدو انه اخيرا قد تذكرنى احد ما
ـ كيف صحتك الان ؟
ـ بخير .....اتدرى اظننى لم اكون يوما بحال افضل
ادور بعينى داخل الغرفة التى بدات اشبه بزنزانة فى احد السجون حيث علت نافذتها الوحيدة مجموعة من القضبان بالاضافة الى الطلاء المتساقط من على جميع الارجاء و تلك الرائحة النفاذة التى تخترق المكان لقرب الغرفة من الحمامات
ـ هل تعجبك الغرفة ؟ بامكانى التنازل لك عنها اذا اردت ذلك
ابتسم له قبل ان اقول له :
ـ يبدو انك مازلت تحتفظ بخفة الظل التى دائما ما كانت تميزك
ـ اعتقد ذلك فالحياة هنا من الممكن ان تجعل منك بهلوانا
ـ لا اعتقد ان مثل هذا المكان قد يجلب اى مشاعر ايجابية على الاطلاق ... بل ان شكله فقط قادر على ان يمتص كل المشاعر الايجابية من داخلك حتى يجعلك تتمنى الموت.
ـ ان ما يجعلك تتمنى الموت هم الاشخاص الذين يتسببون فى القاءك هنا ... اتعلم انى قد اكتشفت ان قمة الالم تكمن فى استعداد من كنت تظنهم اقرب الناس اليك على التخلص منك فى سبيل مصالحهم الشخصية.
انظر اليه فى اهتمام تاركا له المساحة من اجل اكمال كلامه ... لا ادرى ان كانت الرغبة تنبع من رغبتى فى معرفة المزيد عما حدث له او انها الرغبة فى جعله ينهى حديثه حتى استطيع الهروب من هذا المكان فى اسرع زمن ممكن
-3-
- اتعلم انهم قد شخصوا حالتى على انها نوع نادر من التوحد ... ولكن اى توحد هذا الذى قد يصيبنى بعد ان تجاوزت الثلاثين من عمرى ... اتعلم انهم استندوا فى تشخيصهم هذا على ان المتوحد يصاب بالعصبية عندما تتغير الاشياء من حوله لانه لا يستطيع ان يجاريها * ... اتعلم انهم هم المتوحدون لانهم على استعداد للتخلى عن كل ماضيهم من اجل مجاراة الزمن ... يظنون ان كرهى للون الاصفر ينبع من اللون نفسه و لكنهم لا يعلمون ان كرهى للون الاصفر ينبع من كرهى لمعنى اللون الاصفر بما يعبر عنه من حقد و كراهية ** ... يظنون ان اصرارى على استخدامى البريد نوعا من التوحد لانهم يتخيلون اننى اخاف من تغيير طريقة المراسلة الى استخدام البريد الالكترونى ... لا يعلمون اننى اصر على استخدام البريد العادى لاننى اعشق كلاسكية المراسلة ... اعشق ان امضى وقتى فى انتظار الرد على رسائلى ... اعشق ضياع الرسائل و عدم وصولها ... اتظن انى مجنون ... اعذرك فانت لا تدرك مدى الالم الذى تشعر به عندما تتوقف عن ممارسة فعل اعتدت على فعله لازمان طويلة دون توقف ... اتعلم ايضا يحسبون عدم قدرتى على النوم خارج سريرى نوع من الخوف من التغيير ... لا يعلمون ما الذى تشعر به عندما يكون هذا السرير هو الملجأ الوحيد الذى نسارع اليه حتى نكتم دمعاتنا بين وسائده ... هو المكان الذى نتواجد فيه لنسهر الليل نفكر فى كل ما يشغل بالنا ... اننى لا استطيع النوم هنا سوى باستخدام الاقراص المهدئة لان كل ذكرياتى و تاريخى تركته هناك بين اركان منزلى ... فوق سريرى و بين اوراقى و اقلامى ... اعلم اننى قد اثقلت عليك بحديثى هذا ... اعذرنى و لكنك سوف تستريح منى بعد لحظات لان ميعاد القرص المنوم قد حان ... اتعلم اننى سوف التقى بذكرياتى و تاريخى مرة اخرى رغما عنهم ... اسمح لى ان اودعك الان ... اقصد تمنى لى احلاما سعيدة
-4-
لا ادرى لماذا لم اتفأجا لسماعى خبر انتحاره بعد زيارتى له بايام تاركا رسالة قال فيها:
" لقد هربت الى حيث استطيع ان التقى بذكرياتى و تاريخى مرة اخرى "
تمت بحمد الله
كتبت ما بين 1ابريل 2010 – 24 ابريل 2010
* حقيقة علمية : يصاب المتوحد بنوع من الاضطراب و الحالات العصبية عندما تتغير اماكن الاشياء من حوله لان حالته العقلية لا تمكنه من مجارة التغيير بنفس السرعة التى تحدث بها.
** حقيقة علمية : يصاب المتوحد بنوع من الاضطراب و الحالات العصبية عند رؤيته للون الاصفر لان جهازه العصبى لا يستطيع تحمل الالوان الفاقعة للغاية.