:: الحب من غرفة المراقبة :: قصة قصيرة ::


(1)
امتدت يدي لتلتقط الجريدة التي استقرت علي الطاولة أمامي و التي اعاود قراءتها للمرة الثالثة في هذا الصباح الذي ما زال في ساعاته الأولي و كأن ملل قراءة الجريدة كان اهون علي من التحديق في تلك الشاشات المتناثرة علي الحائط أمامي.
اضع فنجان القهوة الذي كنت قد انتهيت منه لتوي علي تلك الطاولة التي استقرت بجواري بعد معاناة في ايجاد مكان لها داخل هذه الغرفة الضيقة لالتقط مكانه جهاز التحكم عن بعد و الذي اكتسب لونه الداكن من لون جدران هذه الغرفة.
اجدني اتنقل بين تلك الشاشات في حركة روتينية رتيبة فلازلت اتابع نفس الوجوه التي اعتدت رؤيتها كل يوم ... نفس الاشخاص و نفس التصرفات ... حتي أصبح في امكاني ان أتوقع حركاتهم دون ان اضطر إلي ان انظر إلي تلك الشاشات التي تظل مسلطة عليهم طوال ساعات النهار في حالة تجعلهم أقرب إلي نجوم السينما من كونهم مجرد مجموعة من العاملين الذي جاوؤا من أماكن شتي يجمعهم هدف واحد و هو الحصول علي قوت يومهم .
و في غمرة تلك الحالة من الملل التي تملأ المكان أجد نفسي أتمني حدوث أي شي من شأنه ان ينهي حالة الملل و يصل بإحساسي هذا إلي نهايته.
و رغم ان أقصي ما توقعته أو تمنيته وقتهاان تحدث مشاجرة بين أحد البائعين و الزبائن أو ان يقوم أحد الفتيان باعتراض طريق إحدي الفتيات و لكن القدر كان يحتفظ بما لم يكن في امكان ابرع الدجالين ان يتنبي بامكانية حدوثه....
(2)
تلك الخطوات الهادئة كانت أكثر ما يميزها عن غيرها فلم اعتد ان أري شخص بمثل هذا الهدوء و الرذانة فما اعتده ان كل من يأتي إلي هذا المكان ان يكون علي حالة من الاستعجال و السرعة مما يجعلك في امكانك مجرد التقاط بعض من التفاصيل العابرة.
و لكن تلك الخطوات الهادئة أتاحت لي ان التقط كل تفاصيل ذلك الوجه الملاكي الصغير ... تلك العيون الواسعة التي اكتسبت لونها من لون الليل الواسع و ذلك الأنف الدقيق الذي توسط ذلك الوجه الجميل و تلك الخصلات القليلة التي انسابت علي وجهها من ذلك الشعر الأسود الذي عصبته إلي الخلف ذلك الأمر الذي اكسبها حالة غير طبيعية من الاشراقة و الجاذبية.
تتوالي ضغطاتي علي أزرار جهاز التحكم متتبعا كل تحركاتها عبر مرورها امام تلك الكاميرات المنتشرة في المكان ... قد تكون هذه المرة الأولي التي أشعر فيها بالسعادة لمراقبة تلك الشاشات.
(3)
لا ادري لماذا ادمنت التحديق في تلك الشاشات منذ ذلك اليوم ... لا ادري لما أصبحت احس بطول الليل ... لا ادري ماذا أصبحت أمضي ليلي في مراقبة عقارب تلك الساعة في تحركاتها الرتيبة في انتظار أول خيوط ضوء الشمس حتي أجد نفسي خارج الفراش الذي ظل علي حالته من الليلة السابقة ... لا ادري لم أصبحت اسابق الزمن لاصل إلي جهاز التحكم في تلك الشاشات في انتظار لحظة وصولها مثل كل يوم ...
هل هو الحب و لكن أي حب ينبت وسط كل تلك الاسلاك و الشاشات المتشابكة ... أي حب يولد بين شخصان إحداهما لا يدري شيء عن الآخر ... أي حب يكون بين من اراقبه و أحفظ حركاته عن ظهر قلب و من لا يعلم حتي بوجودي ... انه فقط الحب من غرفة المراقبة ...
لم اعهد في نفسي كل هذا الخوف و القلق مثل ما أشعر به الآن ... نعم فاليوم فقط قررت الخروج من عالم الظل إلي عالم النور ... فاليوم فقط قررت انها يجب ان تعرف عن حبي لها كل شيء.
(4)
اظل اتنقل بين تلك الشاشات في انتظار ظهورها و ما ان مرت دقائق حتي ظهرت امام و بدلا من أمضي وقتي في التحديق في ذلك الوجه وجدتني أسرع نحوها و ان أدعو الا يصيبها أي مكروه ...
وجدتني في لحظات أنسي كل شيء عن أمر مصارحتها و أصبح كل همي انقاذها من ذلك الشخص الذي يحاول اعتراض طريقها ... أحسست وقتها اني اسمع نبضات قلبي الذي خيل لي انه ينطق بحروف اسمها الذي لم اعرفه في يوم من الأيام ... أحسست وقتها بطول المسافة التي لا تتجاوز مترات معدودة .
(5)
لم استغرق لحظات في ابعاد ذلك الشخص الغريب و ما أن التفت إلي الخلف حتي أدركت مدي ذلك الجمال الذي طالما عشقته و لكن قبل ان ينطق لساني بذلك الأمر الذي عزمت عليه من أول اليوم وجدت صوتها يقاطعني قائلة
" أرجو ان تقبل مني هذا المبلغ المتواضع نظير شهامتك "
لا ادري لماذا وجدت نفسي اضحك في حالة أشبه إلي الجنون و أنا اصرخ قائلا " منذ متي و قد اسموك شهامة أيها الحب ... و بأي ثمن يقدرونك "
" مجنون "
هكذا نطقت و هي تبتعد عني
لا ادري لماذا أحسست انها محقة فأي جنون أكثر من ان يكون حبي لها مجرد ...
حب من غرفة المراقبة ...

4 التعليقات:



أحمد فضيض يقول...

قصة جميلة وفكرة أجمل ..

شكرًا لمشاركتها

احمد حمدى سراج الدين يقول...

شكــــرا احمد على مرورك
و اتمنى انها تكون عجبتك

حسام يقول...

رائعه وخاصة الجزء الاخير
ربنا يوفقك وتكمل بالمستوى ده و احسن

احمد حمدى سراج الدين يقول...

شكــــــــــــــرا
عزيزى حسام على الزيارة