الجميع يحاول ان يتقمص دور المسيح الذى يتحمل الالام بمفرده ليمنح السعادة لجميع من هم حوله ... و لكن الجميع ينسى ان المسيح قد حجز مكانا له فى الجنة على الاقل.

سيدة الرهانات الخاسرة




(1)

تستمر الامطار فى طرق الواجهة الزجاجية للمقهى مواصلة عزف تلك السيمفونية الجميلة احيانا و المرعبة احيانا على كل ما يصادفها من اسطح و من روؤس هؤلاء البشر الذين اتعسهم حظهم بالخروج فى ذلك الطقس الغير مستقر ... يزدحم المقهى بالكثير من الوجوه الذين لجأوا اليه فى محاولة للاحتماء من الامطار المتساقطة بشدة فى الخارج فى انتظار ان يتحسن الطقس قليلا ليكملوا رحلتهم كل الى وجهته ... ألمح وجههك وسط تلك الملامح المتعددة التى تملأ المكان ... أحاول التأكد من هويتك مرة اخرى بينما تتحركين تجاه طاولة لطالما اعتدتى الجلوس عليها قبل ان تغيرى وجهتك صوب الطاولة التى اجلس عليها ... تتبسمين نصف ابتسامة قبل ان تجلسى بجوارى على نفس الطاولة.

(2)

- لا زلتى متألقة مثلما كنتى دوما.

- و انت لا زلت تتقن بدأ الحوار بنفس الطريقة الساحرة ... لقد مر الكثير من الوقت منذ اخر مقابلة بيننا فى هذا المقهى ... أليس كذلك؟

- لم يمر اكثر من عام و بضعة اشهر على ذلك بحساب الفلكيين و مخترعى التقويم ... اما الحساب الحقيقى للزمن يكمن في حقيقة مشاعرنا تجاه بعضنا الاخر ... " كان ذلك غداً لانى لازلت احبك ... كان ذلك البارحة لانك نسيتنى " كما تقول غادة السمان.

- تعلم اننى لن استطيع مجاراتك فى كلماتك ... و لكن اخبرنى ماذا تفعل فى ايامك الان؟

- لا جديد ... ايامى الان تشبه ايامى قبل هذا المقهى.

يقطع هذا الحديث قدوم النادل حاملا فنجانين من القهوة و صحن من قطع السكر نحونا قبل ان يضع حمولته على الطاولة بيننا.

(3)

- لقد بحثت عنك على تلك الطاولة البعيدة التى اعتادنا الجلوس عليها و لكنى لم اجدك هناك حتى اننى ظننت انك لم تعد تأتى الى هنا و لكنى لمحت وجهك على هذه الطاولة و ان فى طريقى الى الخروج مما جعلنى اعاود ادراجى الى هنا.

- نعم ... فتلك الطاولة لم تعد لنا ... و من الصعب ان تصبح لنا بعد الان.

- لماذا؟

- لقد تعبت من تحرش الذاكرة بعقلى و قلبى المنهكين ... لقد سأمت من ملاحقة الذكريات لى ... و لذلك فضلت ان اتركها لعاشقين غيرنا على امل ان يكونا اكثر وفاءاً منا ... نعم لا زلت اتى الى هنا كل يوم ... لكنى اصبحت اجلس على هذه الطاولة اراقب هذان العاشقين الجالسين على طاولة كانت لنا يوماً ... اجلس و انا اتخيل كلا منهم ممسكا بخنجراً مستعدا لطعن الاخر فى لحظة غدر ... اجلس لادعو الله لهم بطول فترة الحب و العشق قبل ان يستيقظوا ذات صباح على حلول شتاء الخيانة و صقيع الكراهية.

تمتد يدى الى صحن السكر لالتقط قطعة واحدة اضعها فى فنجان القهوة المستقر امامها ... احركه قليلا قبل ان ادفعه قليلا فى اتجاهها ... اعود الى صحن السكر لالتقط قطعا ثلاثا اخرى اضعها فى فنجانى ... احركه قليلا ثم اتذوقه و اعيده الى الطاولة.

- ارى انك ما زلت تتذكر اننى افضل مذاق القهوة بقطعة واحدة من السكر ... و لكننى اتذكر ايضا انك كنت تشرب قهوتك من دون اضافة السكر و انك لطالما قلت ان السكر يخفى المذاق الحقيقى للقهوة.

- لقد امضيت بضعة اياما بعدك اشرب قهوتى من دون سكر كما اعتدت و لكنى اكتشفت ان القهوة اصبح لها مذاقا مرا لم يكن لها من قبل ... اكتشفت اننى لم احتج يوماً لطعم السكر و انا احتسى قهوتى متأملاً ملامح وجههك الطفولى عندما كنا نجلس معاً ... اما الان فليس هناك بديلا عن السكر ليخفى ذلك المذاق المر الذى تهدينى اياه القهوة كلما جلست هنا بجوار ذكرياتى ... و الان دعينا من الحديث عن القهوة ... هل لى ان أسألك ان كان مرورك من هنا محض مصادفة ام انك اتيتى الى هنا انت الاخرى فى محاولة للتحرش بذاكرتك؟

- لا ادرى ... اتعلم باننى منذ اشهر و انا اريد ان اتى الى هنا ... اريد ان امحو تلك الفترة من حياتى ... اريد ان اعود لأبدأ من جديد و كأن شيئا لم يكن ... و لكننى كنت خائفة فقط من المرور مرة اخرى من هنا ... كنت اخاف ان اعيد احياء جراحا لم تلتئم حتى الان ... و لكنى بالامس فقط قراءة تلك الرسالة التى ارسلتها الى بعد ايام من فراقنا و التى لم اقرأها حتى الامس ... " يوما ما عندما تتذكرين ما كان سوف تسارعين الى هاتفك لتسترجعى ارقاماً لشخص كان ينتظر مكالماتك بفارغ الصبر ... و لكن لن يجيبك وقتها سوى رسالة مسجلة لتخبرك ب" ان الرقم الذى تحاولين الاتصال به الان غير متاح الى الابد " ... عندها فقط سوف تدركين كم كان سقوطك مدويا ... و انك كنت سيدة الرهانات الخاسرة بأمتياز ... يومها فقط سوف تكتشفين كم كنت حمقاء عندما راهنتى بكل ما تمتلكين على الاشخاص الخطأ ... سوف تكتشفين الفرق بين من أراد ان يكمل معك رحلتك و بين من سوف يغادرك عند اول توقف ... بين من عشقك لذاتك و بين من تلاعب بمشاعرك ... " ... و لذلك انا اجلس امامك الان ألعن كل رهاناتى الخاسرة ... اجلس امامك  اندم على ترك الرهان الوحيد الرابح فى حياتى سعيا وراء السراب ... اجلس لاعترف امامك باننى كنت حمقاء عندما اخبرتك يومها باننى لا يمكننى ان اكون معك بعد ذلك اليوم ... لاعترف اننى كنت مخطئة عندما تركتك سعيا وراء رجل لم يكن بمثل رجولتك ... لم يكن بمثل وفاءك ... لم يكن مثلك ... اجلس لابكى لما تذكرت كم تمسكت انت بحبك لى و انا اجرحك بكلماتى حتى اجعلك تكرهنى ظنا منى اننى قد وجدت ذلك الحب مع شخصا لم يجد حرجا فى التلاعب بى قبل ان يلقينى الى الهاوية كأنما اراد ان ينتقم منى لك على طريقتى عندما اضعتك من بين يدى يومها ... لذلك انا اجلس منك اليوم جلوس المذنب بين يدى خصمه و قاضيه و جلاده فى انتظار حكما بالاعدام.

- اتعلمين اننى احبك اليوم اكثر من اى وقت مضى و لكنى اسمحى لى ان اقرأ عليك بقية رسالتى تلك ... " وقتها سوف تنظرين حولك لتجدى ان كل شئ قد تغير ... و ان الحياة قد استمرت بدونك و بدون حضورك ... سوف تكتشفين اشكالا جديدة للحب لم تعرفيها من قبل ... سوف تكتشفين كيف انه بأمكاننا ان نقف فى مسافة واحدة بين الحب و الكراهية ... سوف تكتشفين باننى احببتك اكثر من أى شخص اخر و لذلك سوف يكون من الصعب ان نكون معا مرة اخرى ... ستكتشفين انها سوف يصبح من المستحيل ان نجلس على طاولة واحدة دون ان يجلس الى جوارنا شبح لشخص ذهبت معه يوما و تركتينى اجلس واحدة مع ذاكرتى التى اخشى انها قد تكون اقوى مما اريد ... سوف يصبح من المستحيل ان اداوى كبرياءا ينزف بداخلى و ان اغض الطرف عن رؤية سلاح حمل بصمات اصابعك يوم سددتى طعنتك الى قلبى ... يومها سوف تتأكدين بان الحب لا يمكن ان يتحول الى كراهية و ان اشباه الحب لا يمكن ان تصبح حبا ... سوف تكتشفين بان هناك الكثير من الحب مكانه تلك الاوراق التى نسميها مذكراتنا ... سوف تتعلمين كيف لشخص ان يحبك و يدفن حبه داخل قلبه ليحتفظ به حتى دقات قلبه الاخيرة دون ان يصرح بها لنفس الشخص مرتين ... سوف تكتشفين مدى غباء جيناتنا العربية التى تضع كرامتنا فوق اى شئ عندما يتعلق الامر بالحب ... يومها ستعرفين اننى احببتك اكثر من اى شئ فى هذه الحياة و اننى سوف اظل على حبى لك و لكن ذلك الحب اصبح لا يمكن التصريح به للعديد من الاسباب ... سوف تتأكدين باننا لم نعد نفس الاشخاص الذين احبوا بعض يوما و ان شيئا بداخلنا قد تغير و انه لم يعد بأمكاننا ان نكون معا مرة اخرى ."

(4)

تستمر ومضات البرق فى اضاءة الليل بالخارج فى الوقت الذى توقفت فيه الامطار عن الهطول قليلا مما جعل الجميع يسارع فى الخروج من المقهى فى محاولة للوصول الى منازلهم قبل ان تبدأ الامطار فى عزف سيمفونية جديدة من الايقاعات ... انظر الى الطاولة قبل ان أغادر لأجد فنجانين فارغين و الكثر من اعقاب السجائر و بقايا لرسالة محترقة لم يعد يظهر من كلماتها سوف كلمة " احبك ".

أحمد حمدى سراج الدين

الجمعة 21 ديسمبر 2012

سيدة الرهانات الخاسرة

سيدة الرهانات الخاسرة

(1)
تستمر الامطار فى طرق الواجهة الزجاجية للمقهى مواصلة عزف تلك السيمفونية الجميلة احيانا و المرعبة احيانا على كل ما يصادفها من اسطح و من روؤس هؤلاء البشر الذين اتعسهم حظهم بالخروج فى ذلك الطقس الغير مستقر ... يزدحم المقهى بالكثير من الوجوه الذين لجأوا اليه فى محاولة للاحتماء من الامطار المتساقطة بشدة فى الخارج فى انتظار ان يتحسن الطقس قليلا ليكملوا رحلتهم كل الى وجهته ... ألمح وجههك وسط تلك الملامح المتعددة التى تملأ المكان ... أحاول التأكد من هويتك مرة اخرى بينما تتحركين تجاه طاولة لطالما اعتدتى الجلوس عليها قبل ان تغيرى وجهتك صوب الطاولة التى اجلس عليها ... تتبسمين نصف ابتسامة قبل ان تجلسى بجوارى على نفس الطاولة.
(2)
- لا زلتى متألقة مثلما كنتى دوما.
- و انت لا زلت تتقن بدأ الحوار بنفس الطريقة الساحرة ... لقد مر الكثير من الوقت منذ اخر مقابلة بيننا فى هذا المقهى ... أليس كذلك؟
- لم يمر اكثر من عام و بضعة اشهر على ذلك بحساب الفلكيين و مخترعى التقويم ... اما الحساب الحقيقى للزمن يكمن في حقيقة مشاعرنا تجاه بعضنا الاخر ... " كان ذلك غداً لانى لازلت احبك ... كان ذلك البارحة لانك نسيتنى " كما تقول غادة السمان.
- تعلم اننى لن استطيع مجاراتك فى كلماتك ... و لكن اخبرنى ماذا تفعل فى ايامك الان؟
- لا جديد ... ايامى الان تشبه ايامى قبل هذا المقهى.
يقطع هذا الحديث قدوم النادل حاملا فنجانين من القهوة و صحن من قطع السكر نحونا قبل ان يضع حمولته على الطاولة بيننا.
(3)
- لقد بحثت عنك على تلك الطاولة البعيدة التى اعتادنا الجلوس عليها و لكنى لم اجدك هناك حتى اننى ظننت انك لم تعد تأتى الى هنا و لكنى لمحت وجهك على هذه الطاولة و ان فى طريقى الى الخروج مما جعلنى اعاود ادراجى الى هنا.
- نعم ... فتلك الطاولة لم تعد لنا ... و من الصعب ان تصبح لنا بعد الان.
- لماذا؟
- لقد تعبت من تحرش الذاكرة بعقلى و قلبى المنهكين ... لقد سأمت من ملاحقة الذكريات لى ... و لذلك فضلت ان اتركها لعاشقين غيرنا على امل ان يكونا اكثر وفاءاً منا ... نعم لا زلت اتى الى هنا كل يوم ... لكنى اصبحت اجلس على هذه الطاولة اراقب هذان العاشقين الجالسين على طاولة كانت لنا يوماً ... اجلس و انا اتخيل كلا منهم ممسكا بخنجراً مستعدا لطعن الاخر فى لحظة غدر ... اجلس لادعو الله لهم بطول فترة الحب و العشق قبل ان يستيقظوا ذات صباح على حلول شتاء الخيانة و صقيع الكراهية.
تمتد يدى الى صحن السكر لالتقط قطعة واحدة اضعها فى فنجان القهوة المستقر امامها ... احركه قليلا قبل ان ادفعه قليلا فى اتجاهها ... اعود الى صحن السكر لالتقط قطعا ثلاثا اخرى اضعها فى فنجانى ... احركه قليلا ثم اتذوقه و اعيده الى الطاولة.
- ارى انك ما زلت تتذكر اننى افضل مذاق القهوة بقطعة واحدة من السكر ... و لكننى اتذكر ايضا انك كنت تشرب قهوتك من دون اضافة السكر و انك لطالما قلت ان السكر يخفى المذاق الحقيقى للقهوة.
- لقد امضيت بضعة اياما بعدك اشرب قهوتى من دون سكر كما اعتدت و لكنى اكتشفت ان القهوة اصبح لها مذاقا مرا لم يكن لها من قبل ... اكتشفت اننى لم احتج يوماً لطعم السكر و انا احتسى قهوتى متأملاً ملامح وجههك الطفولى عندما كنا نجلس معاً ... اما الان فليس هناك بديلا عن السكر ليخفى ذلك المذاق المر الذى تهدينى اياه القهوة كلما جلست هنا بجوار ذكرياتى ... و الان دعينا من الحديث عن القهوة ... هل لى ان أسألك ان كان مرورك من هنا محض مصادفة ام انك اتيتى الى هنا انت الاخرى فى محاولة للتحرش بذاكرتك؟
- لا ادرى ... اتعلم باننى منذ اشهر و انا اريد ان اتى الى هنا ... اريد ان امحو تلك الفترة من حياتى ... اريد ان اعود لأبدأ من جديد و كأن شيئا لم يكن ... و لكننى كنت خائفة فقط من المرور مرة اخرى من هنا ... كنت اخاف ان اعيد احياء جراحا لم تلتئم حتى الان ... و لكنى بالامس فقط قراءة تلك الرسالة التى ارسلتها الى بعد ايام من فراقنا و التى لم اقرأها حتى الامس ... " يوما ما عندما تتذكرين ما كان سوف تسارعين الى هاتفك لتسترجعى ارقاماً لشخص كان ينتظر مكالماتك بفارغ الصبر ... و لكن لن يجيبك وقتها سوى رسالة مسجلة لتخبرك ب" ان الرقم الذى تحاولين الاتصال به الان غير متاح الى الابد " ... عندها فقط سوف تدركين كم كان سقوطك مدويا ... و انك كنت سيدة الرهانات الخاسرة بأمتياز ... يومها فقط سوف تكتشفين كم كنت حمقاء عندما راهنتى بكل ما تمتلكين على الاشخاص الخطأ ... سوف تكتشفين الفرق بين من أراد ان يكمل معك رحلتك و بين من سوف يغادرك عند اول توقف ... بين من عشقك لذاتك و بين من تلاعب بمشاعرك ... " ... و لذلك انا اجلس امامك الان ألعن كل رهاناتى الخاسرة ... اجلس امامك  اندم على ترك الرهان الوحيد الرابح فى حياتى سعيا وراء السراب ... اجلس لاعترف امامك باننى كنت حمقاء عندما اخبرتك يومها باننى لا يمكننى ان اكون معك بعد ذلك اليوم ... لاعترف اننى كنت مخطئة عندما تركتك سعيا وراء رجل لم يكن بمثل رجولتك ... لم يكن بمثل وفاءك ... لم يكن مثلك ... اجلس لابكى لما تذكرت كم تمسكت انت بحبك لى و انا اجرحك بكلماتى حتى اجعلك تكرهنى ظنا منى اننى قد وجدت ذلك الحب مع شخصا لم يجد حرجا فى التلاعب بى قبل ان يلقينى الى الهاوية كأنما اراد ان ينتقم منى لك على طريقتى عندما اضعتك من بين يدى يومها ... لذلك انا اجلس منك اليوم جلوس المذنب بين يدى خصمه و قاضيه و جلاده فى انتظار حكما بالاعدام.
- اتعلمين اننى احبك اليوم اكثر من اى وقت مضى و لكنى اسمحى لى ان اقرأ عليك بقية رسالتى تلك ... " وقتها سوف تنظرين حولك لتجدى ان كل شئ قد تغير ... و ان الحياة قد استمرت بدونك و بدون حضورك ... سوف تكتشفين اشكالا جديدة للحب لم تعرفيها من قبل ... سوف تكتشفين كيف انه بأمكاننا ان نقف فى مسافة واحدة بين الحب و الكراهية ... سوف تكتشفين باننى احببتك اكثر من أى شخص اخر و لذلك سوف يكون من الصعب ان نكون معا مرة اخرى ... ستكتشفين انها سوف يصبح من المستحيل ان نجلس على طاولة واحدة دون ان يجلس الى جوارنا شبح لشخص ذهبت معه يوما و تركتينى اجلس واحدة مع ذاكرتى التى اخشى انها قد تكون اقوى مما اريد ... سوف يصبح من المستحيل ان اداوى كبرياءا ينزف بداخلى و ان اغض الطرف عن رؤية سلاح حمل بصمات اصابعك يوم سددتى طعنتك الى قلبى ... يومها سوف تتأكدين بان الحب لا يمكن ان يتحول الى كراهية و ان اشباه الحب لا يمكن ان تصبح حبا ... سوف تكتشفين بان هناك الكثير من الحب مكانه تلك الاوراق التى نسميها مذكراتنا ... سوف تتعلمين كيف لشخص ان يحبك و يدفن حبه داخل قلبه ليحتفظ به حتى دقات قلبه الاخيرة دون ان يصرح بها لنفس الشخص مرتين ... سوف تكتشفين مدى غباء جيناتنا العربية التى تضع كرامتنا فوق اى شئ عندما يتعلق الامر بالحب ... يومها ستعرفين اننى احببتك اكثر من اى شئ فى هذه الحياة و اننى سوف اظل على حبى لك و لكن ذلك الحب اصبح لا يمكن التصريح به للعديد من الاسباب ... سوف تتأكدين باننا لم نعد نفس الاشخاص الذين احبوا بعض يوما و ان شيئا بداخلنا قد تغير و انه لم يعد بأمكاننا ان نكون معا مرة اخرى ."
(4)
تستمر ومضات البرق فى اضاءة الليل بالخارج فى الوقت الذى توقفت فيه الامطار عن الهطول قليلا مما جعل الجميع يسارع فى الخروج من المقهى فى محاولة للوصول الى منازلهم قبل ان تبدأ الامطار فى عزف سيمفونية جديدة من الايقاعات ... انظر الى الطاولة قبل ان أغادر لأجد فنجانين فارغين و الكثر من اعقاب السجائر و بقايا لرسالة محترقة لم يعد يظهر من كلماتها سوف كلمة " احبك ".
أحمد حمدى سراج الدين
الجمعة 21 ديسمبر 2012

الساعة



اكره دقات الساعة معلنة موعد رحيلك تاركة وراءك العتمة فى انتظار حضورك غدا لتضيفى البهجة مرة اخرى الى حياتى.
15 اكتوبر 2012

اعتذار



اعتذار




يدخل الى المقهى ... يجلس على طاولته المعتادة البعيدة نسبيا عن ازدحام المقهى ... ينظر الى ساعته التى تجاوزت الحادية عشر بقليل ... يضيف ملعقة اخرى من السكر الى فنجان القهوة الموضوع امامه على الطاولة بعد ان احس ببعض من المذاق المر ... حتى القهوة لم يحسم بعد موقفه النهائى منها ... لم يحدد اذا كان يحب مذاقها الخالى من السكر او اذا كان يفضل ان يشربها بعد اضافة السكر ... ينظر الى ذلك الكتاب المستقر على الطاولة ... تمتد يديه الى ذلك الكتاب الذى حمل اسمه على الغلاف ليخرج من داخله بعض الاوراق البيضاء ليضعها على الطاولة قبل ان يخرج ذلك القلم الذى يحتفظ به دائما فى جيبه ليذكره بشئ ما ... يتناول قليلا من قهوته قبل ان يبدأ فى الكتابة :
" على الاغلب ان هذه رسالتى الاخيرة اليك ِ ... اعلم اننى قد ازعجتك كثيرا برسائلى السابقة ... أكتب اليك لاعتذر منك أو من نفسى على الارجح ... لا ادرى لماذا تورطت فيك الى هذا الحد ... ربما كان كل هذا خطأى ...لا ادرى و لكننى اصبحت فجأة متورطا فيكِ ... لم يعد من المهم ان نعرف ممن كان الخطأ ... فقط المهم اننا اصبحنا نعرف انه لا توجد نهايات اخرى بيننا ... فقط نهاية واحدة تبقت و علينا ان نقبل بها طواعية بدلا من ان تفرض على علينا ... اعذرينى لاننى لم ارضى غرورك كما ينبغى ... اعذرينى لاننى لم اجد يوما التعامل مع النساء ... ربما اجيد كتابة ما اشعر به ... و لكننى لا اجيد قوله.
هل كان كل ذلك خطأى ؟ ... هل كان اكبر اخطاء عندما وضعتك خيارى الاوحد ... ام انه خطأك عندما كنت دوما كما اردتك و تمنيتك ... لم يعد من المهم ان نعرف ... تعدد الاسباب و الموت واحد.
اعذرينى لاننى حتى الان لم اتخذ موقفا واحدا منك ... هل احببتك بالفعل ام اننى فقط اردت لن تكونى قصتى الكبرى ... هل عشقتك لذاتك ام اننى فقط عشقت كونك تلك الحسناء ذات الشعر الاشقر التى تصادفنى لتقلب حياتى رأسا على عقب ... ام اننى اغرق فيك حتى حدود المالانهاية و لكنها مجرد عبارات للاستهلاك الجأ اليها لابرر هزيمتى و سقوطى امامكِ ... لم يعد من المهم ان احسم موقفى منك ... كل القصص يبقى بها شئ غامض الى الابد ... كل القصص تترك لنا الكثير من الاسئلة بلا اى اجابات ... لماذا جوليت ؟ ... الم يكن حول روميو من هى اجمل من جوليت ؟ ... لماذا اختار كل منهما الاخر ليقوده الى قبره ؟ ... ربما لو لم يلتقيا معا لعاش كل منهما حياة و احداث مختلفة و ربما نهايات مختلفة ايضا ... و ربما لو حدث كل ذلك لذهبا الى القبر معا ... لا احد يعلم .
هنالك العديد من الرهانات الخاسرة التى نعاود المراهنة عليها رغم معرفتنا المسبقة بانها خاسرة ... لماذا؟ ... لا ادرى و لكن ربما بحثا عن ضربة حظ ... و انت كنت دوما كل رهاناتى الخاسرة ...كنت دوما رهانى الاوحد ... و لكن لم يكن هنالك ابدا اى ضربة حظ .
لقد قرأت يوما اننا عندما نكتب عن شخص فاننا نكتب لنقتله و نمنحه قبرا ليسكن فيه الى الابد* ... و لكننى اكتشفت اننا بعد ذلك نصنع من تلك القبور اضرحة نظل نذهب اليها لنتمسح فى جدرانها و لنطلب العفو على اخطاءنا الماضية ... لذلك اهديك هذا الكتاب الذى حمل اسمى على غلافه ... و لكنك انت من استقر بداخله ... اهديك هذا الضريح فربما نلتقى ذات يوم عندما اتى لازور ضريحك طمعا فى الرحمة و الغفران.
اعذرينى مرة اخرى لاننى ازعجتك مجددا ... لا اعرف ان كنت ستضيعين بعضا من وقتك فى قراءة رسالتى ام انك ستبخلين عليها بتلك الدقائق القليلة ... فقط اعرف انه وجب على كتابة هذه الرسالة لاعتذر لنفسى على الاقل ... و لتبقى كل الاسئلة بلا اجابات "
يرشف اخر قطرات القهوة من فنجانه ... ينظر الى المقهى من حوله بعد ان فرغ من معظم رواده ... ينظر الى ساعته التى تجاوزت الواحدة صباحا ... يجمع اوراقه و الكتاب فى مظروف كبير قبل ان يدون عنوانا على صدره ... يرتدى معطفه و يترك المقهى ليسير تحت الامطار التى بدأت فى التساقط فى اشارة منها الى ان الشتاء القادم سوف يكون باردا للغاية بحثا عن اقرب صندوق بريد.
تمت بحمد الله
11\7\2011




اللاشئ

اللاشئ



على الهامش : هناك بعض الحماقات التى يجب ان ترتكبها ... لاننا سواء فعلتها او لم تفعل تظل مجرد احمق



فى ذكرى الحماقات الواجبة ... فى ذكرى مرور خمسة اشهر على اخر حماقاتى ... فى ذكرى اثنان و عشرون عاما من الحماقات الواجبة و المتتالية.
(1)
" لم يكن هناك شئ ... أى شئ ... عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون "
ينطق هذه الكلمات للمرة العاشرة منذ جلوسه امامى على ذلك المقعد الوثير الذى استقر فى احد اركان عيلدتى حيث يلجأ الى الكثير من الاشخاص عندما يحسون برغبتهم فى التحدث ... يأتون الى هنا ليتحدثوا الى الامور التى تؤلمهم و تضايقهم ... يأتون ليتحدثوا الى انفسهم من خلالى ... لا ادرى اذا كانت ثقتهم بى تأتى من تلك الشهادة المعلقة امامهم على الحائط ... ام لعلمهم اننى اقسمت الا ابوح باسرارهم لاى شخص كان ... الكل يبدى مقاومة فى البداية لمحاولاتى استدارجى لهم ليتحدثوا و لكنهم غالبا ما ينهارون و يبدأون فى التحدث خلال دقائق معدودة من حديثى معهم ... و لكن هذه المرة مختلفة فهذا الشخص الشاحب لم يأتى الى عمدأ بل التقيت به مصادفة فى احد المقاهى التى امضى بداخلها معظم اوقاتى ... فى البداية لفت انتباهى بحالة الشحوب التى كان عليها ... اقتربت منه و حاولت ان ابدأ معه الحديث و لكن الامر لم يكن بهذه السهولة ... و هاهو الان يستلقى على مقعد فى عيادتى القريبة من ذلك المقهى بعد عدة محاولات مضنية ان يأتى الى هنا حتى نتحدث قليلا بعيدا عن الضوضاء ... و ها نحن هنا للمرة العاشرة و لم اسمع منه سوى هذه الجملة التى لازلت لا افهم معناها.
(2)
" لم يكن هناك شئ ... اى شئ ... لم اكن سوى مجرد احمق مازال يكرر اخطاء الماضى بنفس السذاجة و الغباء ... عند اللاشئ ... هكذا كنا ... نحن لم نعرف بعضنا البعض من قبل ... و لكنى كنت مجرد احمق لديه استعداد فطرى ليعشقك من النظرة الاولى ... احمق لديه ميل فطرى تجاه عيونك الزرقاء و شعرك الاشقر ... عند اللاشئ ... هكذا نحن ... و لكنى كنت مجرد احمق عندما احببتك ... عندما اصبحت اغار عليك من اى شخص غيرى يمر بجوارك او يتحدث معك ... مجرد احمق عندما تخيلك من اجلى و لاجلى فقط ... عند اللاشئ ... هكذا سنكون ... و سوف اظل مجرد احمق يبدع فى اهدار الفرص و يحترف الحزن و لا يتعلم من اخطاء الماضى ... مجرد احمق مازال لديه استعداد ليعشقك ... يتخيلك لاجله فقط ... يفاجأك باعلانه الحب من دون اى مقدمات ... ينتظر ردك الذى سوف يغيب كعادتك دائما ثم يأتى على عكس ما يتمنى ... لذلك عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون ... و سأظل انا مجرد احمق "
هكذا تكلم فجأة و بدون اى مقدمات بعد اثنى عشر جلسة طويلة.
(3)
انظر اليه بتمعن رغبةً منى فى ان يستمر فى الحديث الذى استطعت اخيرا ان اجذبه اليه و لكنه يفاجأنى بسؤالى عما قاله منذ قليل ... اخبره بانه اخيرا استطاع ان يكسر حاجز الخوف بداخله و ان عليه ان يستمر فى الحديث حتى استطيع ان احدد مشكلته بدقة
- و لكن من انت؟
- انا طبيبك النفسى المعالج
- طبيبى؟! و لكنى لم ازر يوما طبيباً نفسياً
- هذا صحيح ... و لكن حالتك النفسية جعلك من تدخلى ضرورة لمساعدتك.
- مساعدتى فى ماذا ؟!
- انت تمر منذ ايام عديدة بحالة شديدة من الاكتئاب تجعلك صامتاً طوال الوقت حتى انك منذ اثنى عشر جلسة لم تنطق سوى بجملة واحدة.
- و ما هى هذه الجملة؟
- " عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون.
- نعم تذكرت ... و لكن من نحن؟
- لا ادرى فانت لم تبدأ فى الحديث معى سوى الان ... رغم انى احاول معك منذ اثنى عشر جلسة كاملة.
- لا اتذكر اى شئ ... و الان اسمح لى فى الانصراف فانا على خير ما يرام و لا احتاج لطبيب نفسى ليعالجنى.
- و لكنك تعانى من اكتئاب حاد.
- من اخبرك بذلك ... انا لا احس برغبة فى الانتحار او فقدان فى الشهية للطعام او غيرها من اعراض الاكتئاب.
- و لكن .... ؟
- و لكن كل ما فى الامر اننى احتجت بعض الوقت لكى اطوى صفحة ما من حياتى.
- ما هى هذه الصفحة؟
- لا اتذكر جيداً ... و لكن على ما يبدو انها قصة لشخص احمق و حسناء حتى اننى لا اتذكر كيف انتهت ... فقط اتذكر جملة واحدة كان يكررها هذا الاحمق بحزن.
- ما هى هذه الجملة؟
- " عند اللاشئ ... هكذا نحن و هكذا كنا و هكذا سنكون " ... لا ادرى لماذا تبدو هذه الجملة مضحكة عندما تقال غير ان ذلك الاحمق كان يقولها و هو يبكى ... و الان اعذرنى فلدى جدول مزدحم بالاعمال الواجب تنفيذها.
قال جملته الاخيرة و هو يعتدل فى جلسته على المقعد قبل ان يصافحنى بحرارة ... يتحرك نحو الباب ليخرج ثم يغلق الباب و يمضى فى طريقه
(4)
اضع فنجان القهوة على الطاولة امامى فى ذلك المقهى الذى اعتدت ان اقضى فيه معظم وقتى لقربه من مكان عملى قبل ان تمتد يدى الى الجريدة لاتابع العناوين فى عجالة ... اعتدل فى جلستى فجأة ... اعاود قراءة الخبر المنشور عدة مرات ... اضع الجريدة على الطاولة امامى مفتوحة على صفحة كتب فيها:
" الامن يعثر على جثة مجهولة فى قاع النهر ... لم يعثر على اى اوراق ثبوتية فى جيب الضحية ... فقط رسالة كتب فيها :
لقد حان الوقت لكى انهى بنفسى سلسلة حماقاتى المتتالية و ان استقر هناك ... عند اللاشئ "

تمت بحمد الله تعالى
الثالث من مايو عام 2011

الدائرة

الدائرة

على الهامش : جميعنا نمارس نفس اللعبة ... و ان اختلفت الادوار و الاسماء

(1)
يرتفع صوت هاتفى معلنا عن وصول رسالة جديدة ... انظر الى الساعة التى لم تتجاوز الثامنة صباحاً ... تمتد يدى لتلقط الهاتف من على الطاولة قبل ان أقرأ تلك الرسالة ... " أسعد الله صباحك " ... انظر الى اسم مرسل الرسالة و ان كنت اتوقعه منذ البداية ... انه انتِ كعادتك كل صباح ... نفس الرسالة فى نفس الموعد تقريبا ... اضغط على ازرار الهاتف لاكتب اليكِ رسالة جديدة ... " أسعد الله صباحكِ " ... اضيف رقمك و ارسل الرسالة ... نفس الرسالة فى نفس الموعد تقريباً.
(2)
يرتفع مجددا صوت الهاتف معلنا عن وصول رسالة اخرى ... دائما ما تحمل رسائلك اكثر من معنى ... تريدين ان تقولى ما بداخلك و لكنك تصرين على عدم ارتكاب المصارحة معى ... ربما تصرين على هذا عمدا او خجلا او خوفا او ربما لسبب اخر لا اعرفه ... اضغط على ازرار الهاتف لكى اكتب رسالة جديدة ... دائما ما تحمل رسائلى اكثر من معنى ... و لكنى اعرف اى معنى اقصد ... و اعرف لماذا اصر على عدم ارتكاب المصارحة معك ... اصر على ذلك عمداً ... اضيف رقمكِ و ارسل الرسالة.
(3)
الان اصبحت اعرف الوقت من خلال رسائلك التى على ما يبدو تصرين على الحفاظ على اوقات استلامى لها ... لا ادرى اذا كنت تعرفين على وجه الدقة طريقتى فى ممارسة طقوسى اليومية ام ان كل هذا فقط بمحض الصدف ... أقرأ رسالتك ... تتحرك اصابعى على ازرار الهاتف لاكتب لكِ رسالة جديدة لكى تصلك فى الموعد المحدد ... نعم انا اعرف عنك كل شئ ... اعرف اكثر مما تتوقعين ... اعرف الكثير الذى يجعلنى اعرف ما الذى تفعلينه الان و ما هى محطتك التالية ... اعرف الكثير الذى يجعلنى قادر على اختيار اوقات ارسال رسائلى بدقة بالغة لكى تعلمى اننى اعيش معك يومك لحظة بلحظة ... اضيف رقمك و ارسل الرسالة لتصلك فى الوقت الذى اريده مثل كل يوم.
(4)
انتظر رسالتك التالية و التى دائما ما تكون الاخيرة لليوم و التى دائما ما تأتينى قبل ان اذهب الى النوم ... يرتفع صوت الهاتف للمرة الاخيرة لهذا اليوم مع دقات الحادية عشر ... " احلاماً سعيدة " ... اعاود قراءة رسائلك لهذا اليوم قبل ان اجمعها و اضعها فى ملف واحد يحمل اسمك ... " أحلاماً سعيدة " ... اكتب الرسالة و ارسلها اليكِ ... ارسلها لكى تصلك فى تمام الحادية عشر و النصف ... فى الوقت الذى تضعين فيه رأسك على الوسادة لتحصلى على بعض الراحة ... اعاود قراءة رسائلى اليك هذا اليوم قبل ان اجمعها فى ملف واحد تزين بأسمك ... لا ادرى لماذا تبدو رسائلك الى مشابه لتلك الرسائل التى ارسلها انا اليها ... يبدو اننا جميعا نمارس ادوارنا باتقان داخل هذه الدائرة ... الان يجب ان احصل على قسط من الراحة لكى استعد لجولة جديدة من رسائلك الى و رسائلى اليها ... لذلك احلاماً سعيدة لكل منكما.
تمت بحمد الله تعالى
الخامس من مايو 2011

اللعبة


اللـــعـــبــــــــــة
على الهامش : نعم ... لازلت احبك و لكن بعض الحب مكانه قصاصات الذكريات ... يبقى لاننا لا نستطيع ان نمحوه من ذكراتنا ... يبقى دائما ليذكرنى باجمل امراة قد عشقتها ذات يوم.
(1)
" الحب الاحادى هو انبل انواع الحب و افضلها على الاطلاق ... لانه حب بدون غاية ... حب حكم عليها غيابيا بالاعدام دون ان يحظى بمحاكمة عادلة ... حب يبقى عالقا داخلنا طوال ايام حياتنا ... و لكنه فى نفس الوقت اكثر انواع الحب ايلاما ... لا اعلم لماذا اجد ذاتى فى هذا النوع من الحب ... هل لاننا انساق اليه رغما عنى فاجد نفسى مجبرا على التعايش معه ... ام لاننى حتى الان لم اجرب اى نوع من انواع الحب غير هذا النوع ... و لكن رغم ذلك لا انكر انه له شاعرية خاصة جدا ربما تنبع هى الاخرى من مأساويته ... جميل ان يتسع قلبك ليحتوى صور لاشخاص ظننت يوما انهم هم من يستحقوا هذا الحب حتى اتضح العكس ... و لكن من هو السبب ... هل هم لانهم لم يستطيعوا ان يحسوا بمقدار الحب الذى تحمله لهم ... ام انا لانك لم تستطيع ان تعبر لهم بالطريقة المثلى عن مقدار ذلك الحب ... و لكن ما هى الطريقة المثلى؟ ... لا اعرف.
(2)
لا ادرى لما احسست بشئ تجاهك منذ المرة الاولى التى رأيتك فيها ... لا ادرى لماذا عشقت عيونك المائلة الى الزرقة ... لا ادرى لماذا عشقت شعرك الاشقر و ان كنت لم اراه و لكنه يجب ان يكون اشقر لتكتمل روعة اللوحة... اى لون اخر سوف يكون بقعة تخرب جمال اللوحة ... ربما كانت تلك الطفولة البرئية فى ملامحك هى السبب الاكبر فى عشقى لك ... و لما لا فانتى بالفعل طفلة رغبت يوما ان تكون طفلتى ... رغبت ان تكبرى بين ذراعى و بجوارى ... رغبت ان اضيف بعض البهجة الى لوحتى بحضورك ... فكرت فى انك تستطيعين ادخال الكثير من الالوان المبهجة الى لوحة يكسوها اللون الاسود و الرمادى ... لوحة تركت فيها مساحة بيضاء لتتسع لحضورك ... مساحة اصبحت سوداء لاننى لا اريد امراة غيرك لتسكن بداخلها ... لماذا انجذبت اليك ؟... لا اعرف.
(3)
ربما كانت اروع لحظات قصتى معك هى تلك التى اجلس فى المساء استمع الى احد ممن يعرفونك لعله يميل بالحديث تجاهك فاعرف عنك المزيد ... و لكن حتى المزيد لم بكن كافى بالنسبة لكِ ... لقد عرفت عنك الكثير و جهلت عنك الاكثر ... عرفت كم تحبين السهر ليلا ... عرفت كيف تمارسين طفولتك بمشاهدة افلام الرسوم المتحركة ... عرفت ان تكرهين الاستيقاظ مبكرا ... عرفت كيف كنت تتركين انوار غرفتك مضأة حتى الفجر و انت تجلسين امام كتبك ... عرفت الكثير و لكن لا ادرى لماذا لم الاحظ مدى التناقض بيننا الا الان ... لا ادرى لما لم الاحظ اننا نمارس طقوسنا بشكل معكوس ... اذهب الى النوم فى الوقت الذى تستعدين فيه لبدأ يومك ... و تنامين فى اوقات يقظتى ... كانما القدر كان يحاول ان يخبرنا اننا لن نستطيع ان نكون معنا ... و ربما كان ذلك يجعلنى اعشقك اكثر ... و ربما لاننى فقط اردت ان احبك ... لا اعرف.
(4)
تصوب فوهة المسدس و تضغط على الزناد و ينتهى كل شئ ... ينتهى فى اقل من ثانية ... هكذا كان لعبتنا او هكذا اخترت انا ان العبها ... لعبتها بطريقتى المفضلة و المحببة ... لعبة الفرصة الواحدة ... تصوب و تضغط على الزناد ... فى اقل من ثانية تربح كل شئ او تخسر كل شئ ... ثانية واحدة حيث لا يوجد وقت للمساوامة ... حيث لا يوجد مكان للتنازلات ... فقط ثانية و ينتهى كل شئ ... ربما لم اعرف عنك ما يكفى ... ربما لم اعبر لك بالطريقة المثلى التى تفضلينها ... ربما كنت متحفظا اكثر مما ينبغى بالنسبة لاعتبارات اخرى ... و ربما اخطئت فى اختيارك انت ... و ربما كان شئ اخرى ... لا اعرف.
(5)
نعم ... لازلت احبك ... و لكن كل الفرص استنفذت ... و وجود فرصة ثانية يكاد يكون فى حكم الاستحالة ... فالطلقة الاولى تظل هى الاصعب و بعدها يعرف كل منا الاخر ... و يعرف كل منا ماذا يريد من الاخر و ماذا يريده منه الاخر ... لتنكشف كل الاوراق التى نحاول اخفائها ... لا زلت احبك ... و لكن انا قد انتهيت دورى فى تحريك قطعى على رقعة الشطرنج التى تجمعنا سويا ... و انا الان فى انتظار دورك فى اللعب ... فى انتظار احدى حركتين لم تعد احداهما تمثل مفاجاة بالنسبة لى ... اما ان ننهى اللعبة بفوز احدانا و ان كنا لا نعلم من منا سوف يكون هو الفائز ... او ان نصل الى التعادل لنبدأ جولة جديدة من اللعب .

لعبة الاحتمالات


لعبة الاحتمالات
تتشابك بداخلى المشاعر ... احاسيس متضاربة تتقاتل من اجل حجز مكان بداخلى ... تتحارب من اجل ان تعبر عن نفسها على ملامحى ... بداخلى احساس بالحزن الممتزج بالفرح ... احساس بالكأبة المختلطة بالفخر ... لا ادرى ان كان ذلك حقيقة ما اشعر به ام انها واحدة من تلك الخدع الكلاسيكية التى قد يلجأ اليها العقل البشرى فى محاولة من حدة الامور التى يعتقد انها قد تتسبب فى صدمة لنا.
الحب و الحرب كلاهما معركة ... و دائما الفائز يبقى خاسرا فى النهاية ... فى الحرب يتحقق النصر فوق جثث و احلام الجنود ... و فى الحب تدور المعركة فوق قلوب و امانى العزل ... السلام مفهوم منقوص غير مكتمل ... السلام هو الطف و اعظم الاسماء التى قد نطلقها على معركة خسرها الطرفين ... معركة لم يكن احداهما بالقوة اللازمة ليربحها.
الحب هو اكبر لعبة من العاب المقامرة و الوهم التى عرفها الانسان فى يوم من الايام ... لعبة الاحتمالات ... تحب شخص لا يحبك ... يحبك شخص لا تحبه ... و تبدأ عجلة الروليت فى الدوران ... و تبدأ احجار النرد فى التراقص على الطاولة ... تبدأ لعبة طويلة من الاحتمالات قد تنتهى بحصولنا على نتيجة و قد تستمر اللعبة الى ما لا نهاية ... نضع الرهان و تتعلق اعيننا بعجلة الروليت و احجار النرد ... لا نفكر عندما نضع رهاناتنا و لكننا غالبا ما نخضع رهاناتنا لعواطفنا و اهوائنا و التى غالبا لا تتماشى مع اهواء الاخرين.
تبدأ اللعبة ... و تبدأ معها حلقة من الرهانات الخاسرة و الاحتمالات الخاطئة ... شخص واحد يخرج فائزا من اللعبة و يترك الكثيرين ورائه ليندبوا حظهم و سوء رهاناتهم ... و لكنهم فى الحقيقة يندبون رهانات غيرهم حتى و ان لم يعلموا.
اسوء الرهانات هى الرهانات الخاسرة ... و لكن الاسوء هو اننا على استعداد ان نراهن على نفس الاشخاص مرات و مرات متعاقبة على امل ان يتغير حظنا فى كل مرة ... و فى مقابل خيبة امل جديدة كل مرة ... و فى كل مرة نبحث عن اعذار واهية نبرر بها فشلنا .. لا ندرى اذا كنا نفعل هذا لنحسن صورتنا امام انفسنا – على الاغلب – ام امام الاخرين.
تختلط المشاعر بداخلى ... بقدر سعادتى بقدرتى على المصارحة ...بقدر حزنى على ضياع الفرصة من بين يدى ... بقدر فخرى بارتكاب فعل المصارحة ... اجدنى فى غاية الكأبة لضياع كل فرصى معكى ... لقد مرت قرابة الشهرين و انا استحضر كلماتك تلك ... قرابة الشهرين و انا احاول ان اتذكر كم كانت قاسية كلماتك ... شهرين و صورتك تقفز كل يوم و كل ساعة فوق كل ما احاول ان انساك به ... شهرين و انا اطلع وجوه النساء لاخرجك من داخلى و من داخل قلبى و عقلى لاجدنى ابحث عنكى بينهن ... ابحث عن عينيك الزرقاوتين فى عيونهن ... ابحث عن شعرك الاشقر بين خصلات شعورهن ... ابحث عنكى بلا جدوى ... شهرين و انا لا استطيع ان اتخيل امراة غيرك ... فانت من اسس مفاهيم الجمال بداخلى ... انت من علمتنى كيف تصبح المراة لوحة رائعة تستحق ان تعلق على جدران المتاحف ... انت من علمتنى ان الجمال يستحق ان نسافر خلفه مئات الاميال حتى نستمتع به للحظات ... انت من اعادة الى احترام المهوسين بالفنون و علمتنى انهم ليسوا مجانين فى ذلك ... فانا الان اكبر مهوس بكِ ... احاول لانسى فتتسللى خفية الى احلامى ... احاول ان اتماسك و لكن لا ادرى الى متى استطيع الصمود ... لا ادرى ماذا سافعل عندما القاك المرة القادمة ... و لكننى اعلم اننى لست من هولاء الذين يراهننون على نفس الرقم مرتين ... و اعلم ايضا اننى سوف ادخل مرة اخرى فى حالة من الاحاسيس المتشابكة ... حيث يختلط بداخلى احساس بالحزن الممتزج بالفرح ... احساس بالكأبة المختلطة بالفخر ... و لكن هذا الحين سوف اظل احاول ان انساك ... ان اغير مفاهيم الجمال التى رسمها وجههك الجميل بداخلى.
سبق و ان اخبرت انه يبقى ايمان بداخلى اننى قد تغيرت من اجلك انتِ ... و لكن ينبت بداخلى يقين جديد باننى اتغير من خلالك انت ... اتغير و يبقى بداخل عقلى و قلبى صورة و ايمان ... صورة شعرك الاشقر و عيونك الزرقاء و ابتسامة خلابة تأسر كل من ينظر اليك ... و ايمان بانك اجمل امراة احببتها و عشقتها ذات يوم.
تمت بحمد الله تعالى
29 ابريل 2011

العودة إلى الوراء

العودة إلى الوراء

على الهامش : ان ما نعتقد انه هو اكبر اخطاء الماضى ما هو الا افضل ما يمكننا الحصول عليه


" محاولة ثانية ... هى كل ما احتاجه الان لكى اصحح كل اخطاء الماضى ... فرصة جديدة ... حتى لا اصل الى الحالة التى انا بها الان ... احتاج الى ان اعود الى الوراء قليلا ... لاراجع كل تلك القرارت التى قمت بها ... نعم محاولة ثانية هى كل ما احتاجه الان"
تقفز هذه الفكرة التى قد تبدو فى غاية الجنون الى راسى المثقل بالافكار و القرارات التى يجب اتخاذه فى الايام القادمة بينما امارس هوايتى المحبب فى السير وسط الزحام الذى ما يلبث ان يختفى من امامى عندما تبدأ الافكار فى القفز داخل عقلى المتعب. لقد جاد عقلى بكثير من الافكار التى كانت تبدو مجنونة و لكن هذه المرة قد أتى باكثر الافكار جنونا.
" فكرة مجنونة و لكنها تبدو منطقية للغاية فى نفس الوقت"
ماذا لو امكن ان اعود للوراء لاراجع اخطاء و امكننى ان اتفادى ارتكاب كل تلك الاخطاء ... ماذا لو امكن انا اتخذ قرارات بامكانها ان تجعل حياتى افضل مما هى الان.
" و لكن ما هو اكبر خطأ ارتكبته يوما و قد ارغب فى تغييره الآن "
احاول ان استرجع ذكريات السنوات الاخيرة التى مرت فى محاولة لمعرفة اكبر خطأ ارتكبته و كيف كان يمكننى ان لا ارتكبه ... تبدو الاحداث مشوشة للغاية فى بداية الامر ... تمد يدى الى جيب المعطف لاتناول علبة السجائر و القداحة لامد عقلى بجرعة من النيكوتين لتساعده على التركيز ... اشعل السيجارة قبل ان اتوقف امام تلك القداحة ... ترتسم ابتسامة بمذاق مر على شفتي ... تلك القداحة كانت هدية من اجمل و ارق امراة قد تقابلها فى يوم من الايام ... امراة قد تندم العمر كله اذا فقدتها ... حضورها فقط كان يكفى لان يبدد كل الهموم و المتاعب من حياتك و جعلها تختفى الى الابد. امراة لابد ان تتوقف كثيرا امام ملامحها الساحرة و خصلاتها الذهبية. امراة لا يمكن ان تغيب عن ذاكراتك الى الابد. تقبع صورتها داخل عقلك و قلبك لتذكرك كل يوم بانك كنت فى غاية الحماقة عندما تترك امراة مثلها.
" لا ... لست احمق ... انا لم اتركها بل هى من اختارت ان نكون اصدقاء ... و اصدقاء فقط ... بل انا المخطئ ... لا استطيع ان الوم امراة لم تعلم يوما مقدار ذلك الحب الذى احمله بداخلى لها ... امراة ظللت احلم بها داخلى دون ان احاول ان اخبرها بحبى"
هل اعود الى الوراء لكى اخبرها بهذا الحب ... و اننى كنت و لا زلت احلم بها كل يوم ... اخبرها باننى اريدها ان تكون امراتى و حبيبتى و عشيقتى ... اخبرها بانها الوحيدة من بين كل نساء الدنيا التى تمنيت يوما ان امضى بقية عمرى بجوارها ... اودع القداحة المرة الاخيرة قبل ان القى بها فى مياه النهر الذى اعبر جسره الان ... القيها فى ماء النهر الجارى على امل ان تغسل مياه النهر عقلى و قلبى من ذكريات تلك الفاتنة.
امر من امام هذا المقهى المكتظ بالحياة و الضحكات التى تصدر من الثنائيات من العشاق و الازواج الجدد ... اتذكر زواجى البائس و المزيف ... اصعب شئ ان تجرح شخص يحبك بكل كيانه ... ليس لشئ سوى انك غير قادر على ان تبادله هذا الحب ... لا ادرى لماذا يتزايد بداخلى احساس مقيت بالذنب و الظلم ... كم كنت احمق عندما اردت ان انتقم لكبريائى و ان اثبت لنفسى انه بامكاننى ان اجد شخص يحبنى بقدر ما احببتك انت. تمدت يدى الى جيبى لاتناول هاتفى و استرجع منه رقم تلك المسكينة التى تمضى كل ليلة فى انتظرى حتى اعود الى المنزل.
" انا اعلم مدى الالم الذى اتسبب لك فيه ... و اعلم مدى الجرح الذى تحملينه بداخلك بسببى ... اعذرنى ان كنت تسببت فى كل هذه المعاناة لك ... اعذرنى اذا كنت احاول ان اداوى كبريائى المجروح بجرحك انت ... اعذرنى لاننى لم اكن صريحا منذ البداية ... كان يجب ان تعرفى كل شئ قبل ان نرتبط معا ... انا الآن اراهن على حبك لى و على قدرتك على المغفرة ... اعذرنى فانا لا استطيع التفكير فى حل اخرى لهذه المأساة سوى ان احل هذا الرابط الذى يجمعنا حتى يمضى كل منا فى طريقه ... انا اطلب منك السماح مرة اخرى على هذا الخطأ الذى ارتكبته فى حق نفس قبل ان يكون فى حقك انت ... اتمنى لك التوفيق و تذكرى اننا مازال يكمننا ان نكون اصدقاء ... اصدقاء فقط ... وداعاً"
اغلق الهاتف و اضعه مرة اخرى فى جيبى قبل ان اخلع ذلك الخاتم الفضى اللامع من اصبعى و القى به فى تلك القبعة التى استقرت عند اقدام تلك الفرقة الموسيقة التى تتخذ الشارع مسرحا لها ... اعاود المسير فى ذلك الشارع الواسع الذى بدأ يخلو من رواده ... انظر الى الساعة الكبيرة فى وسط الميدان لاجدها قد تخطت الحادية عشر مساءاً ... لا اشعر برغبة فى العودة الى المنزل الان ... اشعر برغبة فى ان يمتد بى المسير الى المالا نهاية.
املح تلك الواقفة على ناصية احدى الشوارع بثيابها الضيقة و ذلك الدخان المتصاعد من السيجار البنى اللون الذى تقبض عليه باصابعها الناعمة ... املح تلك الابتسامة على وجهها فى محاولة بائسة لاستمالتى ... استمر فى السير فى نفس الشارع الذى يربط اغلب معالم المدينة ببعضها ... امر من امام واجهات المحال التجارية الشهيرة ... انظر الى تلك البذلة المعروضة فى الواجهة و انظر الى ذلك القميص الاسود الذى ارتديه ... ادخل مسرعا الى الداخل لاشترى تلك البدلة التى طالما ترددت فى شراءها ... اغادر المحل و قد ارتديت البذلة و انا احمل ملابسى القديمة فى يدى قبل ان اتركها على الرصيف المقابلة لعلها تكون هدية كريسماس مبكرة لاحدهم ... اعدل وضع رابطة العنق و اعاود المسير فى الشارع من جديد.
" الآن فقط اعتقد انى اصلحت اكبر اخطاء الماضى ... تخلصت من ذكريات امراة احببتها يوما طالما عذبتنى ذكراها ... ارحت ضميرى من احساس بالذنب تجاه امراة اخرى تسببت لنفسى و لها بالكثير من الالم و المعاناة ... استعدت روحى التى طالما اهملتها و انشغلت عنها ... الآن فقط انا مستعد انا ابدأ حياة جديدة من دون اخطاء ... و الآن فقط استطيع ان اعود الى المنزل استعداداً ليوم جديد كلياً"
اعاود ادراجى فى نفس الطريق الذى يبدو ان اختلف جذريا عن المرات السابقة ... يبدو الان اكثر اشراقا و تفاؤلا ... رغم ان الساعة قد تجاوزت الواحدة مساءاً ... مازالت الدخان يتصاعد من سيجار تلك الفتاة التى مازالت فى مكانها و ان قابلتنى هذه المرة بتكشيرة مفتعلة صاحبها القليل من السباب اللاذع ... امر مرة اخرى من فوق الجسر ... لم يتبق الكثير حتى اصل الى المنزل.
" اين كنت حتى الان؟ الا تعلم اننى اخاف عليك ان يصيبك مكروه؟"
تطالعنى زوجتى بوجهها القلق و هى تتعلق بقميصى الاسود الذى ازداد اتساخاً ... اهدأ من روعهها بقبلة طبعتها على جبهتها ... قبل ان تعاود حديثها:
" لقد كنت فى غاية القلق عليك خاصة و انك قد نسيت ان تأخذ هاتفك معك قبل ان تخرج"
ابتسم وانا انظر الى الهاتف الذى تحمله فى يديها ... اعدل وضع الخاتم الفضى فى اصبع قبل ان تمد يدى الى جيبى لاخفى القداحة التى حرف عليها اسمين لم يكتب لهما التواجد معا سوى على ظهر تلك القداحة الذهبية ... اصطحبها الى الداخل و انا اهمس لنفسى:
" ان ما نعتقد انه هو اكبر اخطاء الماضى ما هو الا افضل ما يمكننا الحصول عليه ... ذكرى امراة جميلة تحرك مشاعرك فى كل يوم ... شخص يحبك و يهتم بامور حياتك دون انتظار للمقابل ... لذلك نحن على استعداد ان نكرر اكبر اخطاء الماضى كلما سنحت لنا الفرصة"

تمـــــــــت بـــحمـــــــــــد الله
8 فـــبـــــــرايـــــــــــــر 2011

البقعة السوداء

البقعة السوداء

(1)
ترتدى ذلك الفستان الذى اكتسى باللون الابيض ... تنظر فى المراة ... تعدل تلك الخصلات الشقراء التى انسابت على وجهها الابيض الجميل الذى لم يحتج الى الكثير من المساحيق لتبرز جماله ... تحضر شريط من نفس لون الفستان لتعقد بها شعرها الى الخلف ... تفاجئها تلك البقعة السوداء على ذيل الفستان ... تحاول ان تداريها و لكنها تيأس فى النهاية لتتركها على حالها على امل الا يلحظها احد ... تعاود النظر الى المراة مرة اخرى فاليوم هو اليوم الاهم فى حياتها ... اليوم الذى ظلت تنتظره لسنوات طويلة لتحقق حلمها.
(2)
يعدل من وضع ربطة العنق مرة اخرى بعد ان لاحظ ميلانها الى اليمين قليلا ... فلا مجال للاخطاء اليوم ... انه اليوم الاهم فى التاريخ ... اليوم الذى سوف يتحقق فيه الحلم ... يتناول الفرشاة ليبدأ فى تصفيف شعره الذى بدأ فى غاية اللمعان عقب تلك الجرعة المكثفة من الزيوت التى وضعها عليه ... يعاود تعديل ربطة العنق مرة اخرى رغم انها ما زالت فى مكانها ... ينظر الى تلك البقعة السوداء فى القميص ... يحاول ان يخفيها و لكنه ييأس فى النهاية ليتركها على حالها على امل الا يلحظها احد ... يمسك بالفرشاة مرة اخرى ليصفف شعره.
(3)
تنظر فى المراة مرة اخرى ... تتناول الفرشاة لتضيف المزيد من المساحيق الى وجهها الاسمر الذى خلا من اى مظاهر الجمال ... فاليوم هو يومها الاهم و التى تأمل ان يكون الاجمل ايضا عبر تحقيقها حلمها ...تمسك بالفرشاة فى محاولة يائسة لتصفيف شعرها الاسود المجعد ... تعاود النظر الى ملابسها مرة اخرى قبل ان تلحظ تلك البقعة السوداء التى استقرت على البنطال التى ترتديه ... تمسك بالمنديل فى محاولة لاخفاء البقعة و لكنها تيأس فى النهاية لتتركها على حالها على امل الا يلحظها احد ... تنظر الى المراة مرة اخرى.
(4)
تعاود تعليق فستانها الابيض مرة اخرى ... يعيد قميصه الى مكانه ... تضع البنطال مرة اخرى على السرير ... فى انتظار يوم الغد لعله يكون اليوم المنشود ... ذلك اليوم الذى طال انتظاره ... تعود الملابس الى اماكنها دون ان يلاحظ احد ان تلك البقعة السوداء قد ازدادت فى الحجم.
تمت بحمد الله
14 نوفمبر 2010

توحد

تـــوحـــد



-١-
لا ادرى لماذا ارتعدت اقدامى و انا افتح باب تلك الحجرة التى يرقد بها فى تلك المصحة العقلية التى تم ايداعه فيها من قبل عائلته بعد انه اتهموه بالجنون و بان قد اصبح خطر للغاية عليهم اذا ظل مقيما معهم فى نفس المنزل .... لم استوعب كيف يتحول ذلك الشاعر المشهور فجاة الى مختل او مجنون كما يقولون
-٢-
- هل ستظل تفكر كثيرا قبل ان تدخل الغرفة ؟ بامكانك الانصراف اذا اردت
يفاجئنى بسؤاله هذا بعد ان توقفت للحظات فى باب الحجرة بعد ان استطعت بالكاد فتح باب الغرفة ليقطع موجة كبيرة من التساؤلات كانت تجتاح رأسى فى محاولة بائسة لمعرفة سبب هذا التحول الذى انتهى به هنا ..... ابتسم بصعوبة بالغة وانا اخطو الى داخل الغرفة و اتجه اليه حيث وقف فى منتصف الحجرة تماما ..... لتمد يدي تسلم عليه و لكنه بدلا من ان يمد يده هو الاخر وجده يفتح ذراعيه ليحتضنى بقوة قائلا :
ـ يبدو انه اخيرا قد تذكرنى احد ما
ـ كيف صحتك الان ؟
ـ بخير .....اتدرى اظننى لم اكون يوما بحال افضل
ادور بعينى داخل الغرفة التى بدات اشبه بزنزانة فى احد السجون حيث علت نافذتها الوحيدة مجموعة من القضبان بالاضافة الى الطلاء المتساقط من على جميع الارجاء و تلك الرائحة النفاذة التى تخترق المكان لقرب الغرفة من الحمامات
ـ هل تعجبك الغرفة ؟ بامكانى التنازل لك عنها اذا اردت ذلك
ابتسم له قبل ان اقول له :
ـ يبدو انك مازلت تحتفظ بخفة الظل التى دائما ما كانت تميزك
ـ اعتقد ذلك فالحياة هنا من الممكن ان تجعل منك بهلوانا
ـ لا اعتقد ان مثل هذا المكان قد يجلب اى مشاعر ايجابية على الاطلاق ... بل ان شكله فقط قادر على ان يمتص كل المشاعر الايجابية من داخلك حتى يجعلك تتمنى الموت.
ـ ان ما يجعلك تتمنى الموت هم الاشخاص الذين يتسببون فى القاءك هنا ... اتعلم انى قد اكتشفت ان قمة الالم تكمن فى استعداد من كنت تظنهم اقرب الناس اليك على التخلص منك فى سبيل مصالحهم الشخصية.
انظر اليه فى اهتمام تاركا له المساحة من اجل اكمال كلامه ... لا ادرى ان كانت الرغبة تنبع من رغبتى فى معرفة المزيد عما حدث له او انها الرغبة فى جعله ينهى حديثه حتى استطيع الهروب من هذا المكان فى اسرع زمن ممكن
-3-
- اتعلم انهم قد شخصوا حالتى على انها نوع نادر من التوحد ... ولكن اى توحد هذا الذى قد يصيبنى بعد ان تجاوزت الثلاثين من عمرى ... اتعلم انهم استندوا فى تشخيصهم هذا على ان المتوحد يصاب بالعصبية عندما تتغير الاشياء من حوله لانه لا يستطيع ان يجاريها * ... اتعلم انهم هم المتوحدون لانهم على استعداد للتخلى عن كل ماضيهم من اجل مجاراة الزمن ... يظنون ان كرهى للون الاصفر ينبع من اللون نفسه و لكنهم لا يعلمون ان كرهى للون الاصفر ينبع من كرهى لمعنى اللون الاصفر بما يعبر عنه من حقد و كراهية ** ... يظنون ان اصرارى على استخدامى البريد نوعا من التوحد لانهم يتخيلون اننى اخاف من تغيير طريقة المراسلة الى استخدام البريد الالكترونى ... لا يعلمون اننى اصر على استخدام البريد العادى لاننى اعشق كلاسكية المراسلة ... اعشق ان امضى وقتى فى انتظار الرد على رسائلى ... اعشق ضياع الرسائل و عدم وصولها ... اتظن انى مجنون ... اعذرك فانت لا تدرك مدى الالم الذى تشعر به عندما تتوقف عن ممارسة فعل اعتدت على فعله لازمان طويلة دون توقف ... اتعلم ايضا يحسبون عدم قدرتى على النوم خارج سريرى نوع من الخوف من التغيير ... لا يعلمون ما الذى تشعر به عندما يكون هذا السرير هو الملجأ الوحيد الذى نسارع اليه حتى نكتم دمعاتنا بين وسائده ... هو المكان الذى نتواجد فيه لنسهر الليل نفكر فى كل ما يشغل بالنا ... اننى لا استطيع النوم هنا سوى باستخدام الاقراص المهدئة لان كل ذكرياتى و تاريخى تركته هناك بين اركان منزلى ... فوق سريرى و بين اوراقى و اقلامى ... اعلم اننى قد اثقلت عليك بحديثى هذا ... اعذرنى و لكنك سوف تستريح منى بعد لحظات لان ميعاد القرص المنوم قد حان ... اتعلم اننى سوف التقى بذكرياتى و تاريخى مرة اخرى رغما عنهم ... اسمح لى ان اودعك الان ... اقصد تمنى لى احلاما سعيدة
-4-
لا ادرى لماذا لم اتفأجا لسماعى خبر انتحاره بعد زيارتى له بايام تاركا رسالة قال فيها:
" لقد هربت الى حيث استطيع ان التقى بذكرياتى و تاريخى مرة اخرى "
تمت بحمد الله
كتبت ما بين 1ابريل 2010 – 24 ابريل 2010
* حقيقة علمية : يصاب المتوحد بنوع من الاضطراب و الحالات العصبية عندما تتغير اماكن الاشياء من حوله لان حالته العقلية لا تمكنه من مجارة التغيير بنفس السرعة التى تحدث بها.
** حقيقة علمية : يصاب المتوحد بنوع من الاضطراب و الحالات العصبية عند رؤيته للون الاصفر لان جهازه العصبى لا يستطيع تحمل الالوان الفاقعة للغاية.

ذهاب و عودة


ذهاب و عودة


تمتد يدى داخل جيبى لتلتقط عبلة السجائر ... اضع احدى السجائر فى فمى ... اشعل السيجارة و اعيد الولاعة الى جيبى مرة اخرى ... اتلفت حولى لاجد السكون يعم الارجاء كلها ... ان المسير فى نفس الطريق مرتين يمنحك القدرة على التقاط التفاصيل ... و لكن هل تغير شكل الطريق عن المرة الاولى ... ربما و لكن هل يتغير شكل الطريق فى ساعات قليلة ... لا اعتقد و لكن اغلب الظن ان ما يتغير هو طريقة رؤيتنا للاشياء ... لماذا تكتسى جدران تلك المنازل بتلك المسحة الحزينة رغم اننى منذ ساعات كنت اراها ملئية بالبهجة و السرور ... لا ادرى ان كانت تلك الاركان تشاركنا مشاعرنا ام اننا نحن من نفرض عليها فرحنا و حزننا رغما عنها ... المح طيفا يمر بجوارى ... التفت لكى انادى عليه ... المح بين يديه علبة كبيرة تلمع تحت انوار اعمدة الاضاءة ... لا ادرى لماذا احسست اننى ارى نفسى منذ ساعات قليلة ... لا ادرى ان كانت نفس تلك الاركان التى تشاطرنى حزنى الان تشاركه افراحه و اماله فى نفس اللحظة ... ارتعش مع ذلك الهواء البارد الذى اخذ يتزايد مع بعض قطرات المطر التى بدأت فى التساقط ... اعدل من وضع المعطف و ادفع بيدي للاحتماء داخل جيوب المعطف لترتطم بشئ ما ... التقط هذا الشئ لاخرجه من جيبي ... ترتسم على وجهي ابتسامة ... ابتسامة بمذاق بائس و مؤلم و انا انظر الى تلك العلبة التى استقر بداخلها ذلك الخاتم الذهبى الذى كان من المفترض ان يرمز الى شئ ما ... اغمض عينى مع هبوب المزيد من الهواء البارد ..." ارى شخصا لا اعرفه ينادى على و هو فى طريق عودته ... استمر فى المسير دون الالتفات لصيحاته ... يتعالى صوته و انا استمر فى المسير ..." افتح عينى ... اتلفت حولى لاجدنى وحيدا فى ذلك الشارع الطويل ... و لكننى انا الان من يسير فى طريق العودة ... هل يعقل ان ذلك الشخص قد صادفنى اثناء ذهابى ... و لكن هل كان يعلم اننى سوف اصادف هذه النهاية و اننى سوف اعود من حيث اتيت ... اواصل مسيرى فى هذا الطريق الذى بدا و انه سوف يطول الى ما لا نهاية ... و لكن لكل شئ نهاية حتى الحياة بكل ما تحمل لنا سوف تنتهى فى يوم من الايام ... يعبر من جوارى ... انادى عليه و لكنه لا يتوقف ... اركض نحوه ... اجذبه من كتفه ... ينظر الى باستغراب قبل ان اقول له :
ـ بامكانك العودة من هنا
يحرر نفسه من قبضتى و يمد يديه ليلتقط تلك العلبة الصغيرة التى سقطت منه عند جذبى له ... يفتحها ليطمئن على ذلك الخاتم الذهبى الذى بدا شبيها لذلك الخاتم الذى احمله و يستمر فى المسير ... اتابع مسيرى لاجدنى قد وصلت الى نهاية طريق العودة بعد ان وصلت منذ ساعات الى نهاية طريق الذهاب

تمت بحمد الله

١ يونيو ٢٠١٠

رسالة


رسالة

1

استقيظ مبكرا كعادتى كل يوم حتى استطيع اللحاق بميعاد العمل ..... افتح باب الشقة التى اسكنها لتمتد يدى لتسحب الصحف التى اوصى بواب العمارة ان يحضرها يوميا ..... تمت يدى الى فنجان القهوة المستقر على الطاولة امامى فى نفس الوقت الذى اعبث بيدى الاخرى مقلبا صفحات الجريدة التى امامى فى محاولة سريعة لمعرفة العنوانين الرئيسية للاخبار قبل ان يسقط شى على الارض ..... تمتد يدى لتتناول هذا المظروف السميك من على الارض لاتفحص فيه قليلا قبل ان افتحه

2

" عزيزى اعذرنى لانى لم استطع الرد على خطاباتك السابقة ..... لكن قبل ان تتهمنى بالخيانة ..... اريدك ان تعلم اننى لم اقصر فى حبى لك ..... ولكنه القدر يتلاعب بنا كما يشاء ..... عندما يصل اليك خطابى هذا قد اكون انا خارج هذه الدنيا ..... قد نلتقى مرة اخرى و لكن فى الجنة ان اراد الله ان يجمعنا سويا فيها ..... اعذرنى لانه عليا الذهاب الان فالطبيب يقول بانه قد حان موعد اجراء الجراحة ..... لقد اخبر والدى اننى اذا لم اجرى هذه الجراحة فسوف اموت خلال يومين على الاكثر حتى ان اجريت هذه الجراحة فلن اصمد اكثر من اسبوعين ..... لقد ارسلت لك صورتى كى تتذكرنى بها دائما اذا لم نلتقى مرة اخرى ..... اتعلم كم كنت اتمنى ان تكون بجوارى الان و لكنه القدر ..... مع حبى ..... "

3

انظر الى تلك الصورة مرة اخرى قبل ان انظر فى ساعتى لاجدها قد تجاوزت الثامنة و النصف لاسارع فى التقاط اوراقى المبعثرة على الطاولة لامضى فى رحلتى المعتادة الى العمل.

4

استقر على مقعد سيارة الاجرة التى بدات فى التحرك مصدرة ضوضاء شديدة تزامنت مع الشكاوى المعتادة من السائقين حول الاسعار وغيرها و لكنى و لاول مرة اجدنى غير مهتم بشكواهم التى كنت اجدها وسيلة التسلية الوحيدة المتوفرة لكى تشغلنى عن الطريق الطويل الذى اسلكها يوميا الى العمل لان عقلى و كل حواسى كانت اليوم مشغولة بامر اخر اكثر اهمية.اطالع الصورة مرة اخرى قبل ان تصدر عنى تنهيدة خافتة ..... فمازال عقلى رافضا لفكرة ان ملاك مثل الذى فى الصورة التى فى يدي سوف يموت خلال ايام ..... اجدنى انظر مرة اخرى فى الصورة قبل ان تاسرنى تلك الخصلات الشقراء من شعرها التى انسابت فى رقة و هدوء على وجهها الجميل فى لحظة بدت فيها فى قمة التناسق مع عيونها الزرقاء قبل ان استيقظ من حالتى هذه على صوت السائق فى احدى فقرات السباب مع سائقى السيارات الاخرى ..... امد يدى الى جيبى باحثا عن المظروف التى وصلت فيه تلك الرسالة لاتاكد مرة اخرى من العنوان المكتوب عليه لاجده نفس العنوان الذى اسكن فيه ولكنى لست انا ذلك الشخص الذى من المفترض ان يصله هذا الخطاب ..... بالتاكيد فانا لم اعرف امراة فى حياتى بهذا الجمال ..... لا ادرى بما احسست فى هذه اللحظة ..... هل احسد هذا الشخص على ان تبادله امراة بهذا الجمال الحب ام اشعر بالشفقة لانه سوف يفارقها خلال ايام ..... لا ادرى و لكن ربما تكون هذه الرسالة لذلك الشخص للذى كان يسكن هذه الشقة قبلى ..... تمتد يدى فى حركة لا ارادية الى جيبى لانتاول هاتفى و ابحث عن رقم ذلك البواب الذى بدا وكانه فى انتظار مكالمتى هذه

- هل تعرف ذلك الشخص الذى كان يسكن فى هذه الشقة قبل مجيئى ؟

ـ هل تعرف اسمه او الى اين ذهب ؟

لم استطع معرفة الكثير عن هوية ذلك الشخص سوى انه كان قد استأجر هذه الشقة و قام بتجهيزها ليسكنها هو و عروسه ..... ترى هل تكونين انت المقصودة ..... لا ادرى ماذا افعل الان و لكن الاكيد اننى يجب ان اسلم هذا الخطاب الى الشخص الصحيح و لكنى لا اعرف حتى اسمه

5

استقيظ مبكرا كعادتى كل يوم ..... افتح باب الشقة التى اسكنها لتمتد يدى لتسحب الصحف ..... تمتد يدى الى فنجان القهوة المستقر على الطاولة امامى فى نفس الوقت الذى اعبث بيدى الاخرى مقلبا صفحات الجريدة ..... لقد مر الان قرابة الشهر و انا ابحث عن صاحب تلك الرسالة و حتى الان لم اعثر على اى شى يقودنى اليه ..... لا ادرى اذا كانت تلك المسكينة قد اجرت تلك الجراحة ام لا ..... هل ماتت او مازالت حية .

التقط اوراقى من على الطاولة لامضى فى رحلتى المعتادة الى العمل و لكن قبل ان اذهب تمتد يدى الى الطاولة لتتناول صورة تلك الجميلة لانظر اليها للمرة الالف منذ ان وصلتنى تلك الرسالة و انا اقول:

" أتعلمين اننى فى كثير من الاحيان اشك فى انك قد وصلتى الى عن طريق الخطأ ..... اشك فى انك قد وصلتى الى يدى عمدا لتقولى شئ ما ..... و لكنى لا اعلم ما هو "

اضع الصورة فى جيبى قبل ان اغلق الباب خلفى منطلقا فى رحلتى المملة الى العمل و لكنى الان قد وجدت منى يشاركنى الطريق حتى و إن كانت مجرد صورة

تمت بحمد الله

حظك اليوم


حظك اليوم

١

” تصادف اليوم حب حياتك ”

لم يعهد نفسه مهتما بقراءة الابراج حتى انه بالكاد يعرف انه ينتمى الى برج الحوت اما كل تلك الاحاديث التى تدور حول صفات الابراج و خصائصها فلم يشغل باله بمعرفتها يوما من الايام ... لكن شئ غريب دفعه لان يفتح الصحيفة على صفحة الابراج ليطالع حظه اليوم ... هل هو الملل الذى يحيط به فى هذا الصباح الباكر هو ما دفعه لان يطالع هذه الصفحة او ربما يكون قدره هو الذى اراد ان يرى تلك الكلمات

٢

تصادف حب حياتك اليوم

يواصل ترديد تلك الكلمات خلال مشيه الى مقر عمله و عقله يبحر بعيد فى اعماق الماضى .

ـ تفاهات ... لا يعلم الغيب سوى الله ... تقابل حب حياتك اليوم ... لقد قابلت حب حياتى منذ وقت طويل ... و تركته منذ زمن طويل ايضا ... حتى اننى قد نسيته تماما... هل نسيته حقا؟ ... لا ادرى ”

يتمتم بهذه الكلمات اثناء جلوسه على مكتبه فى العمل فى تلك الحجرة التى ازدحمت بالبشر الذى اتوا من جهات شتى لقضاء مصالحهم.و لكن تلك الكلمات لم تمنعه من التحديق فى وجوه المترددين عليه لعله يجد فيهم من يستحق ان يكون حب حياته

" تصادف حب حياتك اليوم ... ترى من تكون حب حياتى التى انتظرها طوال اليوم ... هل تكون تلك السيدة العجوز التى تسابقت الايام فى حفر اثارها على وجهها ... لا انكر انى قد احببتها فقد ذكرتنى بامى فى طيبتها ... ام تكون تلك الحسناء التى اختفت لتوها من امامى ماضية الى حيث لا اعلم ... نعم لقد كانت فى قمة الحسن و لكنى توقفت امام ذلك الخاتم الذى زين احدى اصابعها ... لقد ظفر بهذا الجمال الملائكى رجل اخر ... لا ادرى لماذا اتعب عقلى بهذا الامر و انا اعلم انه مجرد تخاريف "

٣

" تصادف حب حياتك اليوم "

يعاود ترديد هذه الكلمات مرة اخرى اثناء سيره فى الشارع و الذى من المفترض ان ينتهى به حيث يسكن و لكن اقدامه تقوده الى طريق اخر ... يطالع وجوه الناس الذى قد ازدحم به الطريق ... نظرات ضائعة بين الناس ... يقابلها البعض بالازدراء و البعض الاخرى بالشفقة على حالته المزرية و التى وضحت على اسلوب ملبسه ... فالعيش بدون وجود من يهتم بك قادر على ان يصل بك الى تلك الحالة .تقوده نظراته الى الناحية الاخرى من الطريق ليلمح شبح ابتسامة على الجهة الاخرى.ينظر مرة اخرى الى الناحية الاخرى من الطريق ليتأكد من حقيقة ما رأه ... تلك الابتسامة الساحرة مازال يراها حتى و ان توارت خلف تلك الامواج البشرية التى تزحف عبر الطريق .

" اليوم لم ينتهى حتى الان ... هذا يعنى ان فرصتى لم تنتهى بعد "

تتحرك شفتاه ببطء لتفسح المجال امام صفا من الاسنان لتظهر شبه ابتسامة بدت و كانها قد ضلت طريقا على هذا الوجه الذى لم تعرف ملامحه الابتسام سوى مرات قليلة خلال سنوات عمره التى قاربت على الاربعين ... تعتريه الفرحة عندما يتلقى ردا بابتسامة اكبر من سابقتها ... يتحرك ليعبر الى الجهة الاخرى من الطريق ... ليتلقى وابل من السباب من احدى سائقى السيارات بعد ان كاد ان يدهسه بسيارته و لكنه يكمل عبور الطريق غير مهتم بكل ما حوله تاركا لكل احساسيه الفرصة للاندماج مع تلك الحسناء التى تنتظره على الجهة الاخرى ... الفرصة للاندماج مع تلك الملامح الملائكية التى بدت فى قمة التناسق مع تلك الخصلات الشقراء التى انسابت على وجهها رغم محاولاته لعقد شعرها الى الخلف لينساب على ظهرها ... ينجح فى عبور الطريق المزدحم ليتجه نحوها و مازالت تلك الابتسامة تحتل مساحة من ملامحهما ... تخبو ابتسامته ... تتلاشى ... تموت ... ينظر اليها ليجدها لا تنظر اليه ... يتلفت حوله ليرى الى ماذا تنظر ليجد هيكلا لرجل تبدو رجولته مكتملة ـ ظاهريا على الاقل ـ من خلال عضلاته المفتولة يتقدم نحوها لتتعلق بذراعه و يبدأن فى السير بعيدا ... تنمو ابتسامة جديدة ... و لكنها ابتسامة بمذاق مختلف ... مذاق قاسى ... مميت ... ابتسامة سخرية من نفسه او من غبائه.

٤

ينظر الى الساعة الكبيرة المستقرة فى وسط الميدان الذى قادته اقدامه اليه ليجد انه قد تبقى فقط خمس دقائق قبل ان تنطلق الساعة فى دقاتها الاثنى عشر لتعلن نهاية يوم طويل و غريب ... يحدق فى وجوه الناس بطريقة عشوائية لعله يجد ضالته قبل مرور تلك الدقائق الخمس ... يتوقف بنظراته نحو تلك القادمة نحوه ... يتردد ... يتوقف فى مكانه و نظراته حائرة بين تلك القادمة تجاه و بين ذلك العقرب الطويل الذى قارب على ان ينهى يومه .

” دقيقة واحدة اخرى ارجوك ... ليس من العدل ان ينتهى يومى هكذا ... دقيـ ...”

و لكن قبل ان يكمل جملته تنطلق اولى دقات الساعة لتنهى اليوم و معها تمتلىء عينه بالدموع على نهاية يومه بهذه الطريقة.

٥

" تصادف حب حياتك اليوم "

يقرأ تلك الكلمات التى كتبت تحت احدى الابراج الاخرى فى اليوم التالى ... يطوى الجريدة دون ان يهتم بالنظر الى ما كتب تحت برجه ... يبتسم ابتسامة بمذاق مختلف للغاية عن ابتسامة اخرى ... ابتسامة مليئة بالثقة ... ابتسامة مليئة بالتفاؤل ... و يلقى الجريدة على الطاولة و هم بتمتم :

" تخاريف ".

تمت بحمد الله

الاحد ـ ١٨ ابريل ٢٠١٠

عن الهزيمة و الاستسلام و اشياء اخرى


تتجاوز الساعة الثانية مساء ولكنى اجد نفسى غير قادر على النوم ... انظر الى عقارب الساعة التى تبدو فى حركتها الرتيبة كانها تدور للمرة الاخيرة فى رغبة ان يطول الليل الى مالا نهاية ... احساس غريب يغرينى بالكتابة فى هذا الوقت المتأخر ... لا ادرى ان كانت تلك الرغبة فى الكتابة تنبع من رغبتى فى الافصاح عما بداخلى لاحد ما لا يعرفنى و لا اعرفه ام لاننا قد نكتب ما لا نستطيع ان نقوله ... اكتب و انا على اعتاب ارتكاب اكبر الحماقات فى حياتى ... هل هناك حماقة اكبر من ان ترتكب فعلا قد تربح منه شيئا اذا نجحت او تخسر اشياء فى حالة فشلك ... لماذا تبدو تلك الكلمات مكررة ؟ ... ربما لاننى قد قلتها سابقا ... سوف احاول طرد هذه الفكرة من عقلى الى الابد ... فالانسحاب هذه المرة لا يختلف كثيرا عن الهزيمة ... لن الجأ للانسحاب مرة اخرى ... قمة السذاجة هى ان نكرر اخطاء الماضى ... هذه المرة احسها مختلفة ... نعم هذه المرة اما ان اخسر كل شئ و لكنى قد اربح اشياء ... لقد تعلمت ان المتعة تكمن فى المحاولة ... الهزيمة و الانتصار مفاهيم غير كاملة ... نعم قد اهزم و لكن عندها سوف اربح على الاقل شرف المحاولة ... هذه المرة مختلفة ... فانا على استعداد بان اضحى بكل ما يربطنى بك من اجل شئ اعمق و ابدى ... قد اضحى بصداقتنا ... قد اضحى باى شئ و كل شئ ... صداقتنا سوف تنتهى الان او لاحقا ... ستنتهى بايدينا او بايدى الاخرين ... اضحى بكل شئ من اجل معنى اعمق ... لن اصمت هذه المرة ... لقد تعلمنا ان الصمت من ذهب و لكنه ايضا قد يكون ارخص من التراب ... لانه ليس صمت الحكماء و لكنه صمت الجبناء و الضعفاء ... و انا لن اكون ضعيفا هذه المرة ... لقد مللت الضعف ... اما الانتصار او الهزيمة ... لا وجود لمسميات اخرى غيرالانتصار او الهزيمة ... ساحاول ... فانا الان افضل ان اهزم على ان اهرب ... نعم هذه المرة مختلفة ... فانا اصبحت امتلك القدرة على ان اغير من نفسى ... القدرة على ان اخوض معاركى بنفسى ... القدرة على المواجهة ... القدرة على القفز من على الهامش الى منتصف الصفحة لاقول ما اريد و احصل على ما اريد ... لا ادرى اذا كنت انت السبب فى هذا التغير ... ام انت الغاية من هذا التغير ...لكن يبقى إيمان بانه من اجلك انت .

بين الحب و الكراهية




"نحن لا نكره الاشخاص ..... نحن فقط نكره ما هم عليه"


أحمد حمدى


29 مارس 2010


"I don't hate people ..... I only hate what they are"


Ahmed H.Serag El Din


29 March 2010

سندريلا

سندريلا
(1)
-هل من الممكن ان تقضى ابنتى الصغيرة الليلة معك … اعلم ان هذا قد يزعجك … و لكنك كما تعلم ان عملنا كممرضات يجعلنا نبيت فى المشفى ليلا و اخشى عليها ان تؤذى نفسها فهى كما تعلم مجرد طفلة صغيرة … هل يزعجك ان اتركها معك الليلة فقط؟
- على الرحب و السعة.
- اسفة مرة اخرى … لقد تأخرت على الاسراع الى المشفى الان … لا تقلق سوف اتى لاصطحبها فى الصباح … الى اللقاء.
ابتسم ابتسامة باردة فى توديعها فلطلما رددت على مسمعى هذه القصة المكررة عن عملها بالمشفى بعد انفصالها عن زوجها و تلك الحكايات المكررة التى تقصها على عن ما يقوله عنها الناس كونها مطلقة و ما الى ذلك من الاحاديث النسائية المملة.
التقط يدى الطفلة التى انتهت لتوها من توديع امها بحرارة فى يدي حتى ندخل الى داخل الشقة.
(2)
- ماذا تريدين ان نفعل الان؟
تنظر الى الساعة المعلقة على الحائط و التى استقر عقربها الاصغر على الرقم تسعة قبل ان تقول:
- الساعة الان التاسعة و النصف و امى دائما تقول لى انه يجب ان انام عندما تدق الساعة عشرة دقات
- اذن باقى امامك من الزمن نصف ساعة كاملة قبل ان يحين موعد النوم. هل تريدين ان تأكلين؟
تهز رأسها بسرعة قبل ان تنظر الى الارض و الخجل يملأ ملامحها مما جعلنى ابتسم من عفويتها التى بدت متناسبة مع تلك العشرة اعوام التى مازالت تعدها على يديها لتحسب عمرها.
- هل تتطوعين لمساعدتى فى تحضير الطعام؟
(3)
تمشى بتمهل حتى تصل الى الطاولة لتضع اخر طبق في يديها على الطاولة ثم تسرع الى مقعدها و تجلس فى صمت فى انتظار ان ابدأ انا بتناول الطعام حتى تبدأ هى الاخر فى تناول طعامها … ابتسم و ابدأ انا فى تناول الطعام و انا اراقبها فى صمت حتى بدأت هى فى الكلام مثل عادتها دائما:
- منذ متى و انت تعرف امى؟
اندهش من سؤالها المباغت فانا كل علاقتى بوالدتها هى مجرد علاقة جار بجارته التى كثيرا ما تلجأ اليه لتترك لديه طفلتها و تتحدث معه قليلا عن تلك المشاكل التى تواجهها فى العمل … تلاحظ تاخرى فى الرد على سؤالها مما دفعها الى ان تكرره مرة اخرى:
- منذ متى و انت تعرف امى؟
- منذ حوالى السنة و لكن لماذا؟
- لا ادرى و لكن امى كثيرا ما تتحدث عنك
- و ماذا تقول؟
- دائما تقول لى اننى استحق اباً مثلك بدلا من ذلك الذى تركنا و رحل و تقول ايضا...تطرق فى صمت مما جعلنى ابادرها انا بالكلام:
- و تقول ايضا ماذا؟
- انها دائما تقول انك انت الوحيد الذى تستحق ان تكون رجلها و لكنى لا اعلم كيف؟ ارجوك اخبرنى انت كيف؟لم تكد تنتهى من سؤالها حتى دقت الساعة معلنة قدوم العاشرة … انظر اليها لاجدها تتابعنى بنظراتها فى انتظار اجابة سؤالها مما دفعنى الى الجلوس امامها و الاقتراب منها قائلا و امسح على خدها الرقيق:
- لا ادرى عزيزتى و لكن المهم الا تخبرى امك بانك قلت لى ما قلته الان حتى لا تغضب منك … و الان هيا الى السرير.تطرق براسها الى الارض و هى تسلك طريقها الى الغرفة و تسرع الى السرير فى انتظارى لكى اقص عليها احدى تلك الحكايات التى كانت امى تلقيها علي انا و اخوتى عندما كنا لانزال اطفالاً صغار فى مثل عمرها.
(4)
- اريدك ان تقص على حكاية سندريلاتبادرنى بطلبها هذا فور دخولى الغرفة عقب الانتهاء من اعادة تلك الاطباق و الملاعق الى اماكنها.
- و لماذا سندريلا؟
- لان زميلاتى فى المدرسة يقولن ان قصة سندريلا التى تقصها على امى مختلفة عن تلك التى تقصهن عليهن امهاتهن.
- و لكن كيف؟
- انهم يقولون ان سندريلا تتزوج من الامير و تعيش معه فى سعادة و هناء و تنجب منه البنين و البنات.
احرك لسانى لاقول لها انهن على حق و لكن بدلا من ذلك اقول:
- و ماذا تفعل سندريلا التى فى قصة والدتك؟
- امى تقول لى ان الامير ظل يبحث عن سندريلا كثيرا حتى وجد ان تلك الجميلة التى احبها هى مجرد امرأة فقيرة.
- و ماذا بعد؟
– تركها الامير و لم يتزوجها.
- لماذا؟
- لانها فقيرة و هو امير … اتعلم ماذا حدث لسندريلا بعد ذلك؟
- ماذا حدث؟
- تزوجت سندريلا من رجل فقير مثلها و انجبت من طفلة واحدة فقط و لكنها لم تحبه قط فقلبها مازال متعلقا بالامير الذى احببته يوما و تمضى الايام و يرحل هذا الرجل تاركا سندريلا و طفلتها وحدهما
- و ماذا ايضا؟
- لا ادرى فأمى لم تقص على ماحدث بعد ذلك … لكن كل ما كانت تقوله ان طفلة سندريلا تلك كانت جميلة للغاية … اتعتقد انها على حق؟
- بل اجمل الجميلات
- ترى ماذا حدث لسندريلا بعد ذلك؟
- لا ادرى ربما علينا ان نتظر حتى تأتى والدتك و تقول لنا للمرة الثانية تدق الساعة معلنة قدوم الحادية عشرة
- هيا لتنامى قبل ان تأتى والدتك و تعاقبنا سويا.تبتسم و هى تضغط وجهها فى الوسادة قبل ان تذهب فى سبات عميق … اربت على رأسها قبل ان اغلق الباب عليها تاركا لها الغرفة لتنعم بالراحة … قبل ان تترك لى هي الاخرى الوقت لافكر فيما قالته عن امها و عن سندريلا تلك التى لم تتزوج اميرها.
(5)
- اعذرنى على التأخير … و لكن انت تعلم مدى الصعوبة التى تعانيها فى سبيل ان تجد سيارة اجرة فى هذا الوقت الباكر.لا ادرى لماذا الان فقط ادركت مدى جمالها الذى لا يليق الا بسندريلا رغم كل مظاهر الاجهاد على وجهها … لا ادرى لما لم التف من قبل الى تلك العيون الزرقاء التى تخفى بداخلها الكثير من الحزن … لا ادرى لما لم التف من قبل الى هذا الشعر الاشقر الذى تنساب خصلاته فى رقة و وداعة فوق وجهها الابيض الصغير.
- هل لى ان ادخل لاصطحب طفلتى الى المنزل؟تقطع تأملاتى و نظراتى اليها التى على ما يبدو قد لاحظتها
- و لكنها نائمة الان
- انها تكون دائما هكذا عندما اتى لاصطحابها.
- اتركيها تنام و سوف احضرها اليك عندما تستيقظ ... يبدو ان عرضى هذا قد فجأها مما جعلها غير قادرة ان تجد ردا لتجيب به على عرضى مما جعلنى ابادرها قائلا:
- انت متعبة للغاية … اذهبى الى النوم انت الاخرى و عندما تستيقظ سوف احضرها اليك.
- حسنا … اعذرنى فانى اعرف انى اثقل عليك بزيارتى المتكررة هذه.
- رجاءاً ... لا تتكررى هذه الجملة مرة اخرى فانا اعلم ان عملكن كممرضات يفرض عليكم المبيت فى المشفى ليلا … و انا اخاف على صغيرتك ان تؤذى نفسها.
تبتسم وهى تنظر الى قائلا:
- شكرا لك … سوف اذهب الى شقتى الان … و لكن لا تنسى ان تحضر الطفلة … تصبح على خير.
- تصبحين على خير يا سندريلا اهمس بذلك و ان اؤمى لها برأسى قبل تتابع ابتسامتها الجذابة و هى تغادر قبل ان اغلق باب الشقة و انا اقول:
- لابد ان تقابل سندريلا اميرها فى وقت ما … حتى و ان تأخر هذا الوقت.
اكتوبر 2009

إنتظار


إنتظار
(1)
أقف في انتظار قدوم الحافلة التي سوف تقلني بعيدا عن هذه البلدة في محاولة للهروب من تلك الذكريات الأليمة التي ما زالت تحيط بى من كل الاتجاهات.
تستمر الأمطار في عزف ألحانها الخاصة عبر طرقاتها على كل ما يتواجد في طريقها من أسطح في تناغمها المثير مع ومضات الرعد الجميلة أحيانا و المرعبة كثيرا
و لكنى في وسط ذلك الجو الصاخب اجدنى لا أقوى سوى على الصمت مع بضع نظرات ما زلت القيها على تلك المدينة في محاولة بائسة للاحتفاظ بتفاصيلها لأكبر فترة ممكنة.
(2)
استيقظ من خيالاتي على صوتها الحالم الذي انطلق فجأة ليجعل كل تلك الضوضاء تختفي أمام عذوبته
- هل لى أن احتمى من تلك الأمطار تحت مظلتك ؟
أتردد قليلا أمام غرابة طلبها و أنا انظر إليها لأجد عيونها الزرقاء تنظر إلي في رقة اخفت ورائها الكثير من الحزن قبل أن تختفي خلف خصلة من شعرها الأشقر التي تحركت بفعل الهواء... أجد نفسي منطلقا خلف خصلات شعرها المتطايرة قبل أن أقول لها:
-تفضلي المظلة.
- وأنت ؟
- لا بأس في بامكانى احتمال المطر قليلا .
- إذن احتفظ أنت بمظلتك .
- حسنا لنتشاركها سويا .
(3)
أتحرك نحوها بالمظلة لتدخل تحتها لنحتفظ ببعض السنتمترات القليلة تفصل بيننا على ذلك المقعد الخشبي القديم.
- إلى أين أنت مسافرة ؟
أبادرها بسؤالي فى محاولة فاشلة لإخراجها من حالة الحزن التي ألحظها فى عينيها قبل أن تشتد العاصفة التي جعلتها تلتصق بى في محاولة للاحتماء من العاصفة .
- إلى أين أنت مسافرة ؟
اكرر سؤالي مرة أخرى و لكنى للمرة الثانية لا أتلقى اى جواب لأنظر إليها لأجدها قد أغمضت عينيها و استسلمت للنوم .
(4)
" يبدو أنك عنيت الكثير أيتها الملاك الرقيقة... نعم أنا لا اعرفك من قبل و لكن نظراتك توحي بانك تحاولين الهرب من ذكرى مؤلمة مثلى و أنا كنت اظننى الوحيد الذي يحاول الهروب ... يبدو أننا أيضا عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا نجد من يشاركنا الهرب... اغمضى عينيك فلا بأس من قليل من الراحة حتى عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا الأليمة "
هكذا كنت اهمس لنفسي عندما وجدتها ازدادت تمسكا بى و هي تهمس بكلمات غير مترابطة كأنها تتحدث و هي نائمة :
- لماذا ... لقد ضحيت بالكثير ... تفضلها على ... لن تحبك مثلى
قبل أن أحس بدموعها الدافئة تبلل كتفي و أن اتكئ على المقعد الذي نجلس عليه و أن اهمس:
- لا بأس بقليل من الراحة حتى عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا الأليمة
(5)
استيقظ لأجد العاصفة قد انتهت و ذلك الملاك الرقيق قد رحل تاركا لي ورقة صغيرة كتب فيها:
" شكرا على المظلة ... اعذرني فانا لم استطع ايقاظك عند حضور الحافلة ... يبدو انك لم تذق طعم الراحة منذ أيام ... أنا مسافرة إلى حيث تاخذنى قدمي بعيدا عن كل ذكرياتي التي أريد أن أنساها ... الم تسالنى إلى أين أنا مسافرة ؟ ... اعذرني فالحافلة على وشك المغادرة ... إذا أردت إن تتابع الهرب مثلى استقل الحافلة التالية فلربما نلتقي مرة أخرى ... فلا بأس من القليل من الراحة حتى عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا الأليمة كما كنت تقول ... إلى اللقاء"
ابتسم و أنا أعاود قراءة الرسالة مرة أخرى... حتى عندما نحاول الهرب من ذكرياتنا الأليمة نقابل الكثير من الذكريات السعيدة التي تستحق أن نتحمل الكثير في سبيل أن نظل أوفياء لها ... قبل أن احمل حقيبتي لاسلك طريق العودة إلى منزلي فهذا المكان أصبح يحمل أجمل ذكرى من الممكن أن احتفظ بها ... ذكرى أجمل إمراة قابلتها ذات يوم حتى و إن كنت لا اعرف اسمها.
تمت بحمد الله
كتبت بين
1 مارس 2009 – 7 أكتوبر 2009

الميعاد ( فى المقهى )

الميعاد( فى المقهى)
(1)
يدخل إلي المقهى ... يجلس على تلك الطاولة البعيدة التي تكاد تختفي في احد الأركان... يأتي إليه النادل ممسكا فئ يديه فنجان القهوة المعتاد ... يميل على النادل و يهمس في أذنه ببعض الكلمات ليتلقى إشارة بالنفي ليعلو وجهه الوجوم بعدها قبل أن يرشف عدة رشفات متتالية من فنجان القهوة المستقر أمامه و هو يتابع حركة المارة في الشارع المطل عليه المقهى من خلال تلك النافذة الصغيرة التي غالبا ما يعلوها الغبار ... ينظر في ساعته و ينادى النادل ليهمس في أذنه ببعض الكلمات مرة أخرى ثم يخرج من جيبه بعض الأوراق النقدية يعطيها للنادل ثم يتناول معطفه و يخرج من المقهى مسرعا دون أن يكترث بنداءات النادل له الذي يمد يديه له بباقي حسابه.
(2)
لا أدرى لماذا أصبحت معتادا على رؤيته يوميا حتى أنى أصبحت اترك أحيانا كثيرة ما يكون امامى من عمل حتى اذهب إلى ذلك المقهى لأشاهد ذلك المشهد المتكرر يوميا ... لا ادري لماذا أصبحت فجأة مهتم بمعرفة كافة التفاصيل عن هذا الرجل الذي لا اعرف اسمه حتى الآن.
(3)
أتعمد الذهاب مبكرا إلى المقهى قبل وصوله حتى استطيع أن أتحدث إلى ذلك النادل قليلا قبل إن يأتي إلى المقهى لعلى استطيع معرفة بعض التفاصيل عن هذا الشخص الغامض.
- أتعرف ذلك الرجل الذي يأتي إلى هنا يوميا و يجلس على تلك الطاولة البعيدة ؟
- أنت تقصد ذلك المجنون . لا اعرف عنه أكثر مما تعرفه أنت حتى اسمه لم يخبرني به أبدا. لكنه يأتي كل يوم و يسألني عما اذا كانت إحداهن قد مرت بالمقهى و سألت عنه ... أغلب الظن انه ينتظر واحدة من بائعات الهوى هؤلاء اللاتي يجدن تسليتهن في التلاعب بقلوب هؤلاء الرجال المساكين أمثال هذا الرجل... انظر خلفك انه يفتح باب المقهى... اعذرني و لكن علي تحضير ذلك الفنجان من القهوة الذي يتذوقه فقط تاركا بقيته على الطاولة قبل آن يغادر.
(4)
- هل تسمح لي أن ادفع أنا حساب فنجان القهوة هذا؟
أبادره بطلبي هذا في محاولة لبدء حديث معه قبل ان يرد على
- لكن ......أقاطعه قائلا :
- يمكنك اعتباره عربون صداقة.
- صداقة... مع أنى لا أكون صداقات بهذه السرعة لكنى موافق.
(5)
- الم تأتى اليوم أيضا ؟
- من تقصد؟
- حبيبتك الحسناء التي تنتظرها.
- ما الذي أدراك أنها حسناء؟
- اعتقد أنها لو لم تكن حسناء لم تكن لتستحق هذا الانتظار الطويل
- أتدرى حتى و لو لم تكن حسناء كنت سوف انتظرها أيضا.ينظر إلى ساعته قبل ان يتحرك من مقعده ليتناول معطفه و ينادى على النادل قبل أن أبادره قائلا:
- بامكانى إن انتظرها بدلا منك حتى ابلغها رسالتك.
- تنتظرها من أجلى ... أتعلم بأنك اغرب رجل قابلته في حياتي.
أبتسم محاولا حثه على الكلام من اجل أن اعرف منه ماذا يريد أن يقول لتلك الحسناء التي ينتظرها قبل أن يقول لي:
- إذن إذا حضرت قل لها أنى قد تعبت من الانتظار.
- ولكن ألن تصفها لي حتى اعرفها من بين عشرات النساء التي يأتين إلى هنا يوميا .
- سوف تجدها أجمل الجميلات... رقيقة حالمة... يكفى حضورها ليبدد كل ما فى حياتك من هموم و ضيق ... سوف تعرفها من النظرة الأولى لأنها امرأة لا تنتمي إلى هذا الزمن البغيض... تحمل كل كلاسيكية الحب بين جفونها ... تحمل كل معاني الجاذبية في عيونها ... أتعلم حتى أعظم الشعراء غير قادر على وصفها.اعذرني على الذهاب الآن لانى تأخرت على العمل ... شكرا على القهوة.
- معذرة و لكنى ألن تخبرني عن اسمك حتى اخبرها به.
- لا داعي لانى لم التقيها من قبل ... شكرا على القهوة مرة أخرى.
يتحرك خارج المقهى ليغيب وسط جموع المارة الخارجين لتوهم من أماكن عملهم ذاهبين إلى بيوتهم ممنين أنفسهم باستقبال حافل من ذويهم بعد يوم مرهق من العمل.أفيق من استغراقي هذا على صوت النادل :
- الم اقل لك انه مجنون.
قالها و هو يرسم على وجهه ابتسامة ظافرة كأنه قد اكتشف لتوه سر الجاذبية الأرضية قبل ان أقاطع ابتسامته القبيحة تلك التى كشفت على صف من الأسنان المتباعدة و التي تساقط معظمها قائلا:
- انه ليس بمجنون انه فقط يعيش على الهامش.

نقطة رهان



قلت لها احبك ....
قالت ضع رهانك و انتظر مع البقية .....
و لكن اين هم البقية .....
انت تقف امامي وحيدا .....
تماما كقلبي ....
اتعلم انا اسكن وحدي منذ سنوات ...
منذ بدأت البحث عنه ....
عن الوهم ....
عن الحب ....
فقط ضع رهانك و انتظر حتي انظر في امرك ....
لكني انصحك بالتأني حتي لا تلحق بمن سبقوك ....
لقد احبني قبلك الفا ....
لكنهم لم يحسنوا اختيار رهانهم ....
اعلم انك تريد ان تعرف بما راهنوا مقابل حبي لهم ....
لا بأس ....
لقد راهن نصفهم علي جمالهم ....
لكني لا اريد حبيبي وسيما ....
لقد راهن النصف الاخر علي ماله و سلطانه ....
لكني لا اريد رجلي اميرا ....
حتي انا لا ادري ماذا اريد ....
لقد حان وقت وضع الرهان فاني اسمع الكثيرين قد جاءوا ليحظوا بفرصة مثلك ....
قلت لها لقد وضعت رهاني ....
اتعلمين علي ماذا راهنت ....
لا بأس ....
لقد راهنت عليك انت ....
علي ضعفك بدوني ....
علي رقتك امامي ....
علي صراحتك في وجودي ....
لقد راهنت ان تخرجي لمن سبقوني و هؤلاء الذين ينتظرون فرصتهم لتخبريهم انك قد وجدت رجلك ....
وجدت اميرك ....
انك وجدت حبيبيك ....
انك وجدت من لم يضع ماله او سلطانه او جماله رهانا ....
انك وجدت من وضعك انت ....
و انت فقط ....
نقطة رهان ....

بطاقة معايدة :: قصة قصيرة ::


بطاقة معايدة
(1)
لم تكن عقارب الساعة قد تجاوزت الساعة السادسة مساءاً عندما سمعت ذلك الطرق الخافت على باب شقتى و لكن ما آثار دهشتى وقتها هو من هذا المجنون الذى يغامر و ياتى لزيارتى فى ذلك الوقت رغم الامطار المتساقطة بشدة فى الخارج.
احاول فى سرعة شديدة انا ارتب ما استطيع ترتيبه فى ذلك المكان الذى بدا اشبه بالكارثة ثم اجدنى اسرع الى الباب لافتحه .
لكن لا ادرى لماذا احسست بتلك اللهفة بداخلى لرؤية احدى الوجوه المألوفة و التى من الممكن ان تخرجنى من حالة الوحدة التى تسكننى منذ اتيت للعيش وحيداً فى هذا المكان.
(2)
- احدهم قد ارسل هذا الطرد اليك .
هكذا قال لى ساعى البريد محولا كل احلامى الى سراب قبل ان تمتد يدى لتسلتم منه الطرد بعدما انقدته بعض العملات المعدنية التى كانت قد استقرت داخل جيب سترتى.
و جدت نفسى افتح ذلك الطرد فى دهشة فى محاولة منى لاكتشاف ما يحتويه ولكنى ما اثار دهشتى حقا كان محتوى ذلك الطرد .
(3)
اسرعت اضيف بعض القطع الخشبية الى المدفأة و التى كانت نارها على وشك الخبو و عينى لا تزال معلقة على هذا الصندوق الذى قد احتوى بداخله على زجاجة العطر تلك و التى استقرت بجوارها بطاقة معايدة.
- من عساه قد يرسل الى بطاقة معايدة و لماذا؟؟
اجد نفسى اسرع الى جرائد اليوم بحثا عن التاريخ حتى وقعت عينى على تاريخ اليوم
14 فبراير و لكن من عساه يرسل الى هدية بمناسبة عيد الحب.
(4)
افتح تلك البطاقة و قد اعترانى الفضول فى معرفة مرسله و الذى لم يزين غلافها باسمه لاجده قد كتب بداخلها:
اعرف انك تمضى عيدك وحيدا مثلى...
و لكنى ارسلت لك هديتك لتعلم مدى حبى لك...
قد لا تعرف من انا ...
و لكنى سأتركك لذكرياتك تبحث فيها ...
عنى...
اصبحت اكثر فضولا فى معرفة مرسل تلك البطاقة الغامضة و لكنى فى الوقت ذاته اصبحت فى غاية السعادة لكون احدهم تذكرنى فى مثل هذا اليوم.
اعاود قراءة تلك البطاقة مرة اخرى قبل ان اريح اجفانى لابدأ رحلة البحث فى ذكرياتى عن من عساه ان يكون قد ارسل تلك البطاقة.
اجد نفسى اهمس بالعديد من الاسماء فى حالة من الذهول لكونى استطعت ان اتذكر كل هولاء الاشخاص الذين صادفتهم فى حياتى قبل ان اتوقف بين الحين و الاخر عند بعض الاسماء التى تسترعى الانتباه و لكنى ما ألبث ان استكمل سرد البقية بعد ان استبعد احتمالات ان يكونوا هم من ارسلوا الى تلك البطاقة الغامضة.
- و لكنها قد تكون هى ....
هكذا انطق فجأة و انا اعاود النظر فى تلك البطاقة.
(5)
- نعم انها هى ...
انى اراها بين تلك السطور
اراها بكل حواسى
انها هى بعذوبتها ... بخجلها ... برقتها
نعم انها هى ...
اجد نفسى اتنهد رغما عنى و قد غمرنى احساسا بالراحة و السعادة فى نفس الوقت
اجد نفسى اهيم معها فى عالم اخر اكثر دفئا بعيدا عن هنا .
و لكن فجأة افيق من احلامى على صوت طرق الباب من جديد.
(6)
- اسف جدا سيدى لازعاجك فى هذا الوقت و لكنى قد اوصلت طردا هنا منذ دقائق
و اخشى انى قد اخطئت فى العنوان.
هكذا قال لى ساعى البريد تلك الكلمات طالبا استعادة طرده الضائع .
اسرعت الى الداخل محاولا جمع الطرد فى حالته الاولى قبل ان امد يدى به الى ساعى البريد الذى مد يده بدوره لارجاع تلك العملات المعدنية القليلة التى انقدتها اياها سابقا قبل ان اقاطعه قائلا:
- ارجو ان تعتبر تلك النقود مكافأة لك على ايصال الطرد الى العنوان الخطأ
فأنا كنت على استعداد ان ادفع ما يزيد عن ذلك فى سبيل ثانية واحدة مما شعرت.
اعاد ساعى البريد تلك العملات الى جيبه شاكرا و انصرف و بدا على وجهه يقينا من انى مجنون.تمت بحمد الله