العودة إلى الوراء

العودة إلى الوراء

على الهامش : ان ما نعتقد انه هو اكبر اخطاء الماضى ما هو الا افضل ما يمكننا الحصول عليه


" محاولة ثانية ... هى كل ما احتاجه الان لكى اصحح كل اخطاء الماضى ... فرصة جديدة ... حتى لا اصل الى الحالة التى انا بها الان ... احتاج الى ان اعود الى الوراء قليلا ... لاراجع كل تلك القرارت التى قمت بها ... نعم محاولة ثانية هى كل ما احتاجه الان"
تقفز هذه الفكرة التى قد تبدو فى غاية الجنون الى راسى المثقل بالافكار و القرارات التى يجب اتخاذه فى الايام القادمة بينما امارس هوايتى المحبب فى السير وسط الزحام الذى ما يلبث ان يختفى من امامى عندما تبدأ الافكار فى القفز داخل عقلى المتعب. لقد جاد عقلى بكثير من الافكار التى كانت تبدو مجنونة و لكن هذه المرة قد أتى باكثر الافكار جنونا.
" فكرة مجنونة و لكنها تبدو منطقية للغاية فى نفس الوقت"
ماذا لو امكن ان اعود للوراء لاراجع اخطاء و امكننى ان اتفادى ارتكاب كل تلك الاخطاء ... ماذا لو امكن انا اتخذ قرارات بامكانها ان تجعل حياتى افضل مما هى الان.
" و لكن ما هو اكبر خطأ ارتكبته يوما و قد ارغب فى تغييره الآن "
احاول ان استرجع ذكريات السنوات الاخيرة التى مرت فى محاولة لمعرفة اكبر خطأ ارتكبته و كيف كان يمكننى ان لا ارتكبه ... تبدو الاحداث مشوشة للغاية فى بداية الامر ... تمد يدى الى جيب المعطف لاتناول علبة السجائر و القداحة لامد عقلى بجرعة من النيكوتين لتساعده على التركيز ... اشعل السيجارة قبل ان اتوقف امام تلك القداحة ... ترتسم ابتسامة بمذاق مر على شفتي ... تلك القداحة كانت هدية من اجمل و ارق امراة قد تقابلها فى يوم من الايام ... امراة قد تندم العمر كله اذا فقدتها ... حضورها فقط كان يكفى لان يبدد كل الهموم و المتاعب من حياتك و جعلها تختفى الى الابد. امراة لابد ان تتوقف كثيرا امام ملامحها الساحرة و خصلاتها الذهبية. امراة لا يمكن ان تغيب عن ذاكراتك الى الابد. تقبع صورتها داخل عقلك و قلبك لتذكرك كل يوم بانك كنت فى غاية الحماقة عندما تترك امراة مثلها.
" لا ... لست احمق ... انا لم اتركها بل هى من اختارت ان نكون اصدقاء ... و اصدقاء فقط ... بل انا المخطئ ... لا استطيع ان الوم امراة لم تعلم يوما مقدار ذلك الحب الذى احمله بداخلى لها ... امراة ظللت احلم بها داخلى دون ان احاول ان اخبرها بحبى"
هل اعود الى الوراء لكى اخبرها بهذا الحب ... و اننى كنت و لا زلت احلم بها كل يوم ... اخبرها باننى اريدها ان تكون امراتى و حبيبتى و عشيقتى ... اخبرها بانها الوحيدة من بين كل نساء الدنيا التى تمنيت يوما ان امضى بقية عمرى بجوارها ... اودع القداحة المرة الاخيرة قبل ان القى بها فى مياه النهر الذى اعبر جسره الان ... القيها فى ماء النهر الجارى على امل ان تغسل مياه النهر عقلى و قلبى من ذكريات تلك الفاتنة.
امر من امام هذا المقهى المكتظ بالحياة و الضحكات التى تصدر من الثنائيات من العشاق و الازواج الجدد ... اتذكر زواجى البائس و المزيف ... اصعب شئ ان تجرح شخص يحبك بكل كيانه ... ليس لشئ سوى انك غير قادر على ان تبادله هذا الحب ... لا ادرى لماذا يتزايد بداخلى احساس مقيت بالذنب و الظلم ... كم كنت احمق عندما اردت ان انتقم لكبريائى و ان اثبت لنفسى انه بامكاننى ان اجد شخص يحبنى بقدر ما احببتك انت. تمدت يدى الى جيبى لاتناول هاتفى و استرجع منه رقم تلك المسكينة التى تمضى كل ليلة فى انتظرى حتى اعود الى المنزل.
" انا اعلم مدى الالم الذى اتسبب لك فيه ... و اعلم مدى الجرح الذى تحملينه بداخلك بسببى ... اعذرنى ان كنت تسببت فى كل هذه المعاناة لك ... اعذرنى اذا كنت احاول ان اداوى كبريائى المجروح بجرحك انت ... اعذرنى لاننى لم اكن صريحا منذ البداية ... كان يجب ان تعرفى كل شئ قبل ان نرتبط معا ... انا الآن اراهن على حبك لى و على قدرتك على المغفرة ... اعذرنى فانا لا استطيع التفكير فى حل اخرى لهذه المأساة سوى ان احل هذا الرابط الذى يجمعنا حتى يمضى كل منا فى طريقه ... انا اطلب منك السماح مرة اخرى على هذا الخطأ الذى ارتكبته فى حق نفس قبل ان يكون فى حقك انت ... اتمنى لك التوفيق و تذكرى اننا مازال يكمننا ان نكون اصدقاء ... اصدقاء فقط ... وداعاً"
اغلق الهاتف و اضعه مرة اخرى فى جيبى قبل ان اخلع ذلك الخاتم الفضى اللامع من اصبعى و القى به فى تلك القبعة التى استقرت عند اقدام تلك الفرقة الموسيقة التى تتخذ الشارع مسرحا لها ... اعاود المسير فى ذلك الشارع الواسع الذى بدأ يخلو من رواده ... انظر الى الساعة الكبيرة فى وسط الميدان لاجدها قد تخطت الحادية عشر مساءاً ... لا اشعر برغبة فى العودة الى المنزل الان ... اشعر برغبة فى ان يمتد بى المسير الى المالا نهاية.
املح تلك الواقفة على ناصية احدى الشوارع بثيابها الضيقة و ذلك الدخان المتصاعد من السيجار البنى اللون الذى تقبض عليه باصابعها الناعمة ... املح تلك الابتسامة على وجهها فى محاولة بائسة لاستمالتى ... استمر فى السير فى نفس الشارع الذى يربط اغلب معالم المدينة ببعضها ... امر من امام واجهات المحال التجارية الشهيرة ... انظر الى تلك البذلة المعروضة فى الواجهة و انظر الى ذلك القميص الاسود الذى ارتديه ... ادخل مسرعا الى الداخل لاشترى تلك البدلة التى طالما ترددت فى شراءها ... اغادر المحل و قد ارتديت البذلة و انا احمل ملابسى القديمة فى يدى قبل ان اتركها على الرصيف المقابلة لعلها تكون هدية كريسماس مبكرة لاحدهم ... اعدل وضع رابطة العنق و اعاود المسير فى الشارع من جديد.
" الآن فقط اعتقد انى اصلحت اكبر اخطاء الماضى ... تخلصت من ذكريات امراة احببتها يوما طالما عذبتنى ذكراها ... ارحت ضميرى من احساس بالذنب تجاه امراة اخرى تسببت لنفسى و لها بالكثير من الالم و المعاناة ... استعدت روحى التى طالما اهملتها و انشغلت عنها ... الآن فقط انا مستعد انا ابدأ حياة جديدة من دون اخطاء ... و الآن فقط استطيع ان اعود الى المنزل استعداداً ليوم جديد كلياً"
اعاود ادراجى فى نفس الطريق الذى يبدو ان اختلف جذريا عن المرات السابقة ... يبدو الان اكثر اشراقا و تفاؤلا ... رغم ان الساعة قد تجاوزت الواحدة مساءاً ... مازالت الدخان يتصاعد من سيجار تلك الفتاة التى مازالت فى مكانها و ان قابلتنى هذه المرة بتكشيرة مفتعلة صاحبها القليل من السباب اللاذع ... امر مرة اخرى من فوق الجسر ... لم يتبق الكثير حتى اصل الى المنزل.
" اين كنت حتى الان؟ الا تعلم اننى اخاف عليك ان يصيبك مكروه؟"
تطالعنى زوجتى بوجهها القلق و هى تتعلق بقميصى الاسود الذى ازداد اتساخاً ... اهدأ من روعهها بقبلة طبعتها على جبهتها ... قبل ان تعاود حديثها:
" لقد كنت فى غاية القلق عليك خاصة و انك قد نسيت ان تأخذ هاتفك معك قبل ان تخرج"
ابتسم وانا انظر الى الهاتف الذى تحمله فى يديها ... اعدل وضع الخاتم الفضى فى اصبع قبل ان تمد يدى الى جيبى لاخفى القداحة التى حرف عليها اسمين لم يكتب لهما التواجد معا سوى على ظهر تلك القداحة الذهبية ... اصطحبها الى الداخل و انا اهمس لنفسى:
" ان ما نعتقد انه هو اكبر اخطاء الماضى ما هو الا افضل ما يمكننا الحصول عليه ... ذكرى امراة جميلة تحرك مشاعرك فى كل يوم ... شخص يحبك و يهتم بامور حياتك دون انتظار للمقابل ... لذلك نحن على استعداد ان نكرر اكبر اخطاء الماضى كلما سنحت لنا الفرصة"

تمـــــــــت بـــحمـــــــــــد الله
8 فـــبـــــــرايـــــــــــــر 2011

البقعة السوداء

البقعة السوداء

(1)
ترتدى ذلك الفستان الذى اكتسى باللون الابيض ... تنظر فى المراة ... تعدل تلك الخصلات الشقراء التى انسابت على وجهها الابيض الجميل الذى لم يحتج الى الكثير من المساحيق لتبرز جماله ... تحضر شريط من نفس لون الفستان لتعقد بها شعرها الى الخلف ... تفاجئها تلك البقعة السوداء على ذيل الفستان ... تحاول ان تداريها و لكنها تيأس فى النهاية لتتركها على حالها على امل الا يلحظها احد ... تعاود النظر الى المراة مرة اخرى فاليوم هو اليوم الاهم فى حياتها ... اليوم الذى ظلت تنتظره لسنوات طويلة لتحقق حلمها.
(2)
يعدل من وضع ربطة العنق مرة اخرى بعد ان لاحظ ميلانها الى اليمين قليلا ... فلا مجال للاخطاء اليوم ... انه اليوم الاهم فى التاريخ ... اليوم الذى سوف يتحقق فيه الحلم ... يتناول الفرشاة ليبدأ فى تصفيف شعره الذى بدأ فى غاية اللمعان عقب تلك الجرعة المكثفة من الزيوت التى وضعها عليه ... يعاود تعديل ربطة العنق مرة اخرى رغم انها ما زالت فى مكانها ... ينظر الى تلك البقعة السوداء فى القميص ... يحاول ان يخفيها و لكنه ييأس فى النهاية ليتركها على حالها على امل الا يلحظها احد ... يمسك بالفرشاة مرة اخرى ليصفف شعره.
(3)
تنظر فى المراة مرة اخرى ... تتناول الفرشاة لتضيف المزيد من المساحيق الى وجهها الاسمر الذى خلا من اى مظاهر الجمال ... فاليوم هو يومها الاهم و التى تأمل ان يكون الاجمل ايضا عبر تحقيقها حلمها ...تمسك بالفرشاة فى محاولة يائسة لتصفيف شعرها الاسود المجعد ... تعاود النظر الى ملابسها مرة اخرى قبل ان تلحظ تلك البقعة السوداء التى استقرت على البنطال التى ترتديه ... تمسك بالمنديل فى محاولة لاخفاء البقعة و لكنها تيأس فى النهاية لتتركها على حالها على امل الا يلحظها احد ... تنظر الى المراة مرة اخرى.
(4)
تعاود تعليق فستانها الابيض مرة اخرى ... يعيد قميصه الى مكانه ... تضع البنطال مرة اخرى على السرير ... فى انتظار يوم الغد لعله يكون اليوم المنشود ... ذلك اليوم الذى طال انتظاره ... تعود الملابس الى اماكنها دون ان يلاحظ احد ان تلك البقعة السوداء قد ازدادت فى الحجم.
تمت بحمد الله
14 نوفمبر 2010

توحد

تـــوحـــد



-١-
لا ادرى لماذا ارتعدت اقدامى و انا افتح باب تلك الحجرة التى يرقد بها فى تلك المصحة العقلية التى تم ايداعه فيها من قبل عائلته بعد انه اتهموه بالجنون و بان قد اصبح خطر للغاية عليهم اذا ظل مقيما معهم فى نفس المنزل .... لم استوعب كيف يتحول ذلك الشاعر المشهور فجاة الى مختل او مجنون كما يقولون
-٢-
- هل ستظل تفكر كثيرا قبل ان تدخل الغرفة ؟ بامكانك الانصراف اذا اردت
يفاجئنى بسؤاله هذا بعد ان توقفت للحظات فى باب الحجرة بعد ان استطعت بالكاد فتح باب الغرفة ليقطع موجة كبيرة من التساؤلات كانت تجتاح رأسى فى محاولة بائسة لمعرفة سبب هذا التحول الذى انتهى به هنا ..... ابتسم بصعوبة بالغة وانا اخطو الى داخل الغرفة و اتجه اليه حيث وقف فى منتصف الحجرة تماما ..... لتمد يدي تسلم عليه و لكنه بدلا من ان يمد يده هو الاخر وجده يفتح ذراعيه ليحتضنى بقوة قائلا :
ـ يبدو انه اخيرا قد تذكرنى احد ما
ـ كيف صحتك الان ؟
ـ بخير .....اتدرى اظننى لم اكون يوما بحال افضل
ادور بعينى داخل الغرفة التى بدات اشبه بزنزانة فى احد السجون حيث علت نافذتها الوحيدة مجموعة من القضبان بالاضافة الى الطلاء المتساقط من على جميع الارجاء و تلك الرائحة النفاذة التى تخترق المكان لقرب الغرفة من الحمامات
ـ هل تعجبك الغرفة ؟ بامكانى التنازل لك عنها اذا اردت ذلك
ابتسم له قبل ان اقول له :
ـ يبدو انك مازلت تحتفظ بخفة الظل التى دائما ما كانت تميزك
ـ اعتقد ذلك فالحياة هنا من الممكن ان تجعل منك بهلوانا
ـ لا اعتقد ان مثل هذا المكان قد يجلب اى مشاعر ايجابية على الاطلاق ... بل ان شكله فقط قادر على ان يمتص كل المشاعر الايجابية من داخلك حتى يجعلك تتمنى الموت.
ـ ان ما يجعلك تتمنى الموت هم الاشخاص الذين يتسببون فى القاءك هنا ... اتعلم انى قد اكتشفت ان قمة الالم تكمن فى استعداد من كنت تظنهم اقرب الناس اليك على التخلص منك فى سبيل مصالحهم الشخصية.
انظر اليه فى اهتمام تاركا له المساحة من اجل اكمال كلامه ... لا ادرى ان كانت الرغبة تنبع من رغبتى فى معرفة المزيد عما حدث له او انها الرغبة فى جعله ينهى حديثه حتى استطيع الهروب من هذا المكان فى اسرع زمن ممكن
-3-
- اتعلم انهم قد شخصوا حالتى على انها نوع نادر من التوحد ... ولكن اى توحد هذا الذى قد يصيبنى بعد ان تجاوزت الثلاثين من عمرى ... اتعلم انهم استندوا فى تشخيصهم هذا على ان المتوحد يصاب بالعصبية عندما تتغير الاشياء من حوله لانه لا يستطيع ان يجاريها * ... اتعلم انهم هم المتوحدون لانهم على استعداد للتخلى عن كل ماضيهم من اجل مجاراة الزمن ... يظنون ان كرهى للون الاصفر ينبع من اللون نفسه و لكنهم لا يعلمون ان كرهى للون الاصفر ينبع من كرهى لمعنى اللون الاصفر بما يعبر عنه من حقد و كراهية ** ... يظنون ان اصرارى على استخدامى البريد نوعا من التوحد لانهم يتخيلون اننى اخاف من تغيير طريقة المراسلة الى استخدام البريد الالكترونى ... لا يعلمون اننى اصر على استخدام البريد العادى لاننى اعشق كلاسكية المراسلة ... اعشق ان امضى وقتى فى انتظار الرد على رسائلى ... اعشق ضياع الرسائل و عدم وصولها ... اتظن انى مجنون ... اعذرك فانت لا تدرك مدى الالم الذى تشعر به عندما تتوقف عن ممارسة فعل اعتدت على فعله لازمان طويلة دون توقف ... اتعلم ايضا يحسبون عدم قدرتى على النوم خارج سريرى نوع من الخوف من التغيير ... لا يعلمون ما الذى تشعر به عندما يكون هذا السرير هو الملجأ الوحيد الذى نسارع اليه حتى نكتم دمعاتنا بين وسائده ... هو المكان الذى نتواجد فيه لنسهر الليل نفكر فى كل ما يشغل بالنا ... اننى لا استطيع النوم هنا سوى باستخدام الاقراص المهدئة لان كل ذكرياتى و تاريخى تركته هناك بين اركان منزلى ... فوق سريرى و بين اوراقى و اقلامى ... اعلم اننى قد اثقلت عليك بحديثى هذا ... اعذرنى و لكنك سوف تستريح منى بعد لحظات لان ميعاد القرص المنوم قد حان ... اتعلم اننى سوف التقى بذكرياتى و تاريخى مرة اخرى رغما عنهم ... اسمح لى ان اودعك الان ... اقصد تمنى لى احلاما سعيدة
-4-
لا ادرى لماذا لم اتفأجا لسماعى خبر انتحاره بعد زيارتى له بايام تاركا رسالة قال فيها:
" لقد هربت الى حيث استطيع ان التقى بذكرياتى و تاريخى مرة اخرى "
تمت بحمد الله
كتبت ما بين 1ابريل 2010 – 24 ابريل 2010
* حقيقة علمية : يصاب المتوحد بنوع من الاضطراب و الحالات العصبية عندما تتغير اماكن الاشياء من حوله لان حالته العقلية لا تمكنه من مجارة التغيير بنفس السرعة التى تحدث بها.
** حقيقة علمية : يصاب المتوحد بنوع من الاضطراب و الحالات العصبية عند رؤيته للون الاصفر لان جهازه العصبى لا يستطيع تحمل الالوان الفاقعة للغاية.