اعتذار



اعتذار




يدخل الى المقهى ... يجلس على طاولته المعتادة البعيدة نسبيا عن ازدحام المقهى ... ينظر الى ساعته التى تجاوزت الحادية عشر بقليل ... يضيف ملعقة اخرى من السكر الى فنجان القهوة الموضوع امامه على الطاولة بعد ان احس ببعض من المذاق المر ... حتى القهوة لم يحسم بعد موقفه النهائى منها ... لم يحدد اذا كان يحب مذاقها الخالى من السكر او اذا كان يفضل ان يشربها بعد اضافة السكر ... ينظر الى ذلك الكتاب المستقر على الطاولة ... تمتد يديه الى ذلك الكتاب الذى حمل اسمه على الغلاف ليخرج من داخله بعض الاوراق البيضاء ليضعها على الطاولة قبل ان يخرج ذلك القلم الذى يحتفظ به دائما فى جيبه ليذكره بشئ ما ... يتناول قليلا من قهوته قبل ان يبدأ فى الكتابة :
" على الاغلب ان هذه رسالتى الاخيرة اليك ِ ... اعلم اننى قد ازعجتك كثيرا برسائلى السابقة ... أكتب اليك لاعتذر منك أو من نفسى على الارجح ... لا ادرى لماذا تورطت فيك الى هذا الحد ... ربما كان كل هذا خطأى ...لا ادرى و لكننى اصبحت فجأة متورطا فيكِ ... لم يعد من المهم ان نعرف ممن كان الخطأ ... فقط المهم اننا اصبحنا نعرف انه لا توجد نهايات اخرى بيننا ... فقط نهاية واحدة تبقت و علينا ان نقبل بها طواعية بدلا من ان تفرض على علينا ... اعذرينى لاننى لم ارضى غرورك كما ينبغى ... اعذرينى لاننى لم اجد يوما التعامل مع النساء ... ربما اجيد كتابة ما اشعر به ... و لكننى لا اجيد قوله.
هل كان كل ذلك خطأى ؟ ... هل كان اكبر اخطاء عندما وضعتك خيارى الاوحد ... ام انه خطأك عندما كنت دوما كما اردتك و تمنيتك ... لم يعد من المهم ان نعرف ... تعدد الاسباب و الموت واحد.
اعذرينى لاننى حتى الان لم اتخذ موقفا واحدا منك ... هل احببتك بالفعل ام اننى فقط اردت لن تكونى قصتى الكبرى ... هل عشقتك لذاتك ام اننى فقط عشقت كونك تلك الحسناء ذات الشعر الاشقر التى تصادفنى لتقلب حياتى رأسا على عقب ... ام اننى اغرق فيك حتى حدود المالانهاية و لكنها مجرد عبارات للاستهلاك الجأ اليها لابرر هزيمتى و سقوطى امامكِ ... لم يعد من المهم ان احسم موقفى منك ... كل القصص يبقى بها شئ غامض الى الابد ... كل القصص تترك لنا الكثير من الاسئلة بلا اى اجابات ... لماذا جوليت ؟ ... الم يكن حول روميو من هى اجمل من جوليت ؟ ... لماذا اختار كل منهما الاخر ليقوده الى قبره ؟ ... ربما لو لم يلتقيا معا لعاش كل منهما حياة و احداث مختلفة و ربما نهايات مختلفة ايضا ... و ربما لو حدث كل ذلك لذهبا الى القبر معا ... لا احد يعلم .
هنالك العديد من الرهانات الخاسرة التى نعاود المراهنة عليها رغم معرفتنا المسبقة بانها خاسرة ... لماذا؟ ... لا ادرى و لكن ربما بحثا عن ضربة حظ ... و انت كنت دوما كل رهاناتى الخاسرة ...كنت دوما رهانى الاوحد ... و لكن لم يكن هنالك ابدا اى ضربة حظ .
لقد قرأت يوما اننا عندما نكتب عن شخص فاننا نكتب لنقتله و نمنحه قبرا ليسكن فيه الى الابد* ... و لكننى اكتشفت اننا بعد ذلك نصنع من تلك القبور اضرحة نظل نذهب اليها لنتمسح فى جدرانها و لنطلب العفو على اخطاءنا الماضية ... لذلك اهديك هذا الكتاب الذى حمل اسمى على غلافه ... و لكنك انت من استقر بداخله ... اهديك هذا الضريح فربما نلتقى ذات يوم عندما اتى لازور ضريحك طمعا فى الرحمة و الغفران.
اعذرينى مرة اخرى لاننى ازعجتك مجددا ... لا اعرف ان كنت ستضيعين بعضا من وقتك فى قراءة رسالتى ام انك ستبخلين عليها بتلك الدقائق القليلة ... فقط اعرف انه وجب على كتابة هذه الرسالة لاعتذر لنفسى على الاقل ... و لتبقى كل الاسئلة بلا اجابات "
يرشف اخر قطرات القهوة من فنجانه ... ينظر الى المقهى من حوله بعد ان فرغ من معظم رواده ... ينظر الى ساعته التى تجاوزت الواحدة صباحا ... يجمع اوراقه و الكتاب فى مظروف كبير قبل ان يدون عنوانا على صدره ... يرتدى معطفه و يترك المقهى ليسير تحت الامطار التى بدأت فى التساقط فى اشارة منها الى ان الشتاء القادم سوف يكون باردا للغاية بحثا عن اقرب صندوق بريد.
تمت بحمد الله
11\7\2011




0 التعليقات: