توحد

تـــوحـــد



-١-
لا ادرى لماذا ارتعدت اقدامى و انا افتح باب تلك الحجرة التى يرقد بها فى تلك المصحة العقلية التى تم ايداعه فيها من قبل عائلته بعد انه اتهموه بالجنون و بان قد اصبح خطر للغاية عليهم اذا ظل مقيما معهم فى نفس المنزل .... لم استوعب كيف يتحول ذلك الشاعر المشهور فجاة الى مختل او مجنون كما يقولون
-٢-
- هل ستظل تفكر كثيرا قبل ان تدخل الغرفة ؟ بامكانك الانصراف اذا اردت
يفاجئنى بسؤاله هذا بعد ان توقفت للحظات فى باب الحجرة بعد ان استطعت بالكاد فتح باب الغرفة ليقطع موجة كبيرة من التساؤلات كانت تجتاح رأسى فى محاولة بائسة لمعرفة سبب هذا التحول الذى انتهى به هنا ..... ابتسم بصعوبة بالغة وانا اخطو الى داخل الغرفة و اتجه اليه حيث وقف فى منتصف الحجرة تماما ..... لتمد يدي تسلم عليه و لكنه بدلا من ان يمد يده هو الاخر وجده يفتح ذراعيه ليحتضنى بقوة قائلا :
ـ يبدو انه اخيرا قد تذكرنى احد ما
ـ كيف صحتك الان ؟
ـ بخير .....اتدرى اظننى لم اكون يوما بحال افضل
ادور بعينى داخل الغرفة التى بدات اشبه بزنزانة فى احد السجون حيث علت نافذتها الوحيدة مجموعة من القضبان بالاضافة الى الطلاء المتساقط من على جميع الارجاء و تلك الرائحة النفاذة التى تخترق المكان لقرب الغرفة من الحمامات
ـ هل تعجبك الغرفة ؟ بامكانى التنازل لك عنها اذا اردت ذلك
ابتسم له قبل ان اقول له :
ـ يبدو انك مازلت تحتفظ بخفة الظل التى دائما ما كانت تميزك
ـ اعتقد ذلك فالحياة هنا من الممكن ان تجعل منك بهلوانا
ـ لا اعتقد ان مثل هذا المكان قد يجلب اى مشاعر ايجابية على الاطلاق ... بل ان شكله فقط قادر على ان يمتص كل المشاعر الايجابية من داخلك حتى يجعلك تتمنى الموت.
ـ ان ما يجعلك تتمنى الموت هم الاشخاص الذين يتسببون فى القاءك هنا ... اتعلم انى قد اكتشفت ان قمة الالم تكمن فى استعداد من كنت تظنهم اقرب الناس اليك على التخلص منك فى سبيل مصالحهم الشخصية.
انظر اليه فى اهتمام تاركا له المساحة من اجل اكمال كلامه ... لا ادرى ان كانت الرغبة تنبع من رغبتى فى معرفة المزيد عما حدث له او انها الرغبة فى جعله ينهى حديثه حتى استطيع الهروب من هذا المكان فى اسرع زمن ممكن
-3-
- اتعلم انهم قد شخصوا حالتى على انها نوع نادر من التوحد ... ولكن اى توحد هذا الذى قد يصيبنى بعد ان تجاوزت الثلاثين من عمرى ... اتعلم انهم استندوا فى تشخيصهم هذا على ان المتوحد يصاب بالعصبية عندما تتغير الاشياء من حوله لانه لا يستطيع ان يجاريها * ... اتعلم انهم هم المتوحدون لانهم على استعداد للتخلى عن كل ماضيهم من اجل مجاراة الزمن ... يظنون ان كرهى للون الاصفر ينبع من اللون نفسه و لكنهم لا يعلمون ان كرهى للون الاصفر ينبع من كرهى لمعنى اللون الاصفر بما يعبر عنه من حقد و كراهية ** ... يظنون ان اصرارى على استخدامى البريد نوعا من التوحد لانهم يتخيلون اننى اخاف من تغيير طريقة المراسلة الى استخدام البريد الالكترونى ... لا يعلمون اننى اصر على استخدام البريد العادى لاننى اعشق كلاسكية المراسلة ... اعشق ان امضى وقتى فى انتظار الرد على رسائلى ... اعشق ضياع الرسائل و عدم وصولها ... اتظن انى مجنون ... اعذرك فانت لا تدرك مدى الالم الذى تشعر به عندما تتوقف عن ممارسة فعل اعتدت على فعله لازمان طويلة دون توقف ... اتعلم ايضا يحسبون عدم قدرتى على النوم خارج سريرى نوع من الخوف من التغيير ... لا يعلمون ما الذى تشعر به عندما يكون هذا السرير هو الملجأ الوحيد الذى نسارع اليه حتى نكتم دمعاتنا بين وسائده ... هو المكان الذى نتواجد فيه لنسهر الليل نفكر فى كل ما يشغل بالنا ... اننى لا استطيع النوم هنا سوى باستخدام الاقراص المهدئة لان كل ذكرياتى و تاريخى تركته هناك بين اركان منزلى ... فوق سريرى و بين اوراقى و اقلامى ... اعلم اننى قد اثقلت عليك بحديثى هذا ... اعذرنى و لكنك سوف تستريح منى بعد لحظات لان ميعاد القرص المنوم قد حان ... اتعلم اننى سوف التقى بذكرياتى و تاريخى مرة اخرى رغما عنهم ... اسمح لى ان اودعك الان ... اقصد تمنى لى احلاما سعيدة
-4-
لا ادرى لماذا لم اتفأجا لسماعى خبر انتحاره بعد زيارتى له بايام تاركا رسالة قال فيها:
" لقد هربت الى حيث استطيع ان التقى بذكرياتى و تاريخى مرة اخرى "
تمت بحمد الله
كتبت ما بين 1ابريل 2010 – 24 ابريل 2010
* حقيقة علمية : يصاب المتوحد بنوع من الاضطراب و الحالات العصبية عندما تتغير اماكن الاشياء من حوله لان حالته العقلية لا تمكنه من مجارة التغيير بنفس السرعة التى تحدث بها.
** حقيقة علمية : يصاب المتوحد بنوع من الاضطراب و الحالات العصبية عند رؤيته للون الاصفر لان جهازه العصبى لا يستطيع تحمل الالوان الفاقعة للغاية.

0 التعليقات: