سندريلا

سندريلا
(1)
-هل من الممكن ان تقضى ابنتى الصغيرة الليلة معك … اعلم ان هذا قد يزعجك … و لكنك كما تعلم ان عملنا كممرضات يجعلنا نبيت فى المشفى ليلا و اخشى عليها ان تؤذى نفسها فهى كما تعلم مجرد طفلة صغيرة … هل يزعجك ان اتركها معك الليلة فقط؟
- على الرحب و السعة.
- اسفة مرة اخرى … لقد تأخرت على الاسراع الى المشفى الان … لا تقلق سوف اتى لاصطحبها فى الصباح … الى اللقاء.
ابتسم ابتسامة باردة فى توديعها فلطلما رددت على مسمعى هذه القصة المكررة عن عملها بالمشفى بعد انفصالها عن زوجها و تلك الحكايات المكررة التى تقصها على عن ما يقوله عنها الناس كونها مطلقة و ما الى ذلك من الاحاديث النسائية المملة.
التقط يدى الطفلة التى انتهت لتوها من توديع امها بحرارة فى يدي حتى ندخل الى داخل الشقة.
(2)
- ماذا تريدين ان نفعل الان؟
تنظر الى الساعة المعلقة على الحائط و التى استقر عقربها الاصغر على الرقم تسعة قبل ان تقول:
- الساعة الان التاسعة و النصف و امى دائما تقول لى انه يجب ان انام عندما تدق الساعة عشرة دقات
- اذن باقى امامك من الزمن نصف ساعة كاملة قبل ان يحين موعد النوم. هل تريدين ان تأكلين؟
تهز رأسها بسرعة قبل ان تنظر الى الارض و الخجل يملأ ملامحها مما جعلنى ابتسم من عفويتها التى بدت متناسبة مع تلك العشرة اعوام التى مازالت تعدها على يديها لتحسب عمرها.
- هل تتطوعين لمساعدتى فى تحضير الطعام؟
(3)
تمشى بتمهل حتى تصل الى الطاولة لتضع اخر طبق في يديها على الطاولة ثم تسرع الى مقعدها و تجلس فى صمت فى انتظار ان ابدأ انا بتناول الطعام حتى تبدأ هى الاخر فى تناول طعامها … ابتسم و ابدأ انا فى تناول الطعام و انا اراقبها فى صمت حتى بدأت هى فى الكلام مثل عادتها دائما:
- منذ متى و انت تعرف امى؟
اندهش من سؤالها المباغت فانا كل علاقتى بوالدتها هى مجرد علاقة جار بجارته التى كثيرا ما تلجأ اليه لتترك لديه طفلتها و تتحدث معه قليلا عن تلك المشاكل التى تواجهها فى العمل … تلاحظ تاخرى فى الرد على سؤالها مما دفعها الى ان تكرره مرة اخرى:
- منذ متى و انت تعرف امى؟
- منذ حوالى السنة و لكن لماذا؟
- لا ادرى و لكن امى كثيرا ما تتحدث عنك
- و ماذا تقول؟
- دائما تقول لى اننى استحق اباً مثلك بدلا من ذلك الذى تركنا و رحل و تقول ايضا...تطرق فى صمت مما جعلنى ابادرها انا بالكلام:
- و تقول ايضا ماذا؟
- انها دائما تقول انك انت الوحيد الذى تستحق ان تكون رجلها و لكنى لا اعلم كيف؟ ارجوك اخبرنى انت كيف؟لم تكد تنتهى من سؤالها حتى دقت الساعة معلنة قدوم العاشرة … انظر اليها لاجدها تتابعنى بنظراتها فى انتظار اجابة سؤالها مما دفعنى الى الجلوس امامها و الاقتراب منها قائلا و امسح على خدها الرقيق:
- لا ادرى عزيزتى و لكن المهم الا تخبرى امك بانك قلت لى ما قلته الان حتى لا تغضب منك … و الان هيا الى السرير.تطرق براسها الى الارض و هى تسلك طريقها الى الغرفة و تسرع الى السرير فى انتظارى لكى اقص عليها احدى تلك الحكايات التى كانت امى تلقيها علي انا و اخوتى عندما كنا لانزال اطفالاً صغار فى مثل عمرها.
(4)
- اريدك ان تقص على حكاية سندريلاتبادرنى بطلبها هذا فور دخولى الغرفة عقب الانتهاء من اعادة تلك الاطباق و الملاعق الى اماكنها.
- و لماذا سندريلا؟
- لان زميلاتى فى المدرسة يقولن ان قصة سندريلا التى تقصها على امى مختلفة عن تلك التى تقصهن عليهن امهاتهن.
- و لكن كيف؟
- انهم يقولون ان سندريلا تتزوج من الامير و تعيش معه فى سعادة و هناء و تنجب منه البنين و البنات.
احرك لسانى لاقول لها انهن على حق و لكن بدلا من ذلك اقول:
- و ماذا تفعل سندريلا التى فى قصة والدتك؟
- امى تقول لى ان الامير ظل يبحث عن سندريلا كثيرا حتى وجد ان تلك الجميلة التى احبها هى مجرد امرأة فقيرة.
- و ماذا بعد؟
– تركها الامير و لم يتزوجها.
- لماذا؟
- لانها فقيرة و هو امير … اتعلم ماذا حدث لسندريلا بعد ذلك؟
- ماذا حدث؟
- تزوجت سندريلا من رجل فقير مثلها و انجبت من طفلة واحدة فقط و لكنها لم تحبه قط فقلبها مازال متعلقا بالامير الذى احببته يوما و تمضى الايام و يرحل هذا الرجل تاركا سندريلا و طفلتها وحدهما
- و ماذا ايضا؟
- لا ادرى فأمى لم تقص على ماحدث بعد ذلك … لكن كل ما كانت تقوله ان طفلة سندريلا تلك كانت جميلة للغاية … اتعتقد انها على حق؟
- بل اجمل الجميلات
- ترى ماذا حدث لسندريلا بعد ذلك؟
- لا ادرى ربما علينا ان نتظر حتى تأتى والدتك و تقول لنا للمرة الثانية تدق الساعة معلنة قدوم الحادية عشرة
- هيا لتنامى قبل ان تأتى والدتك و تعاقبنا سويا.تبتسم و هى تضغط وجهها فى الوسادة قبل ان تذهب فى سبات عميق … اربت على رأسها قبل ان اغلق الباب عليها تاركا لها الغرفة لتنعم بالراحة … قبل ان تترك لى هي الاخرى الوقت لافكر فيما قالته عن امها و عن سندريلا تلك التى لم تتزوج اميرها.
(5)
- اعذرنى على التأخير … و لكن انت تعلم مدى الصعوبة التى تعانيها فى سبيل ان تجد سيارة اجرة فى هذا الوقت الباكر.لا ادرى لماذا الان فقط ادركت مدى جمالها الذى لا يليق الا بسندريلا رغم كل مظاهر الاجهاد على وجهها … لا ادرى لما لم التف من قبل الى تلك العيون الزرقاء التى تخفى بداخلها الكثير من الحزن … لا ادرى لما لم التف من قبل الى هذا الشعر الاشقر الذى تنساب خصلاته فى رقة و وداعة فوق وجهها الابيض الصغير.
- هل لى ان ادخل لاصطحب طفلتى الى المنزل؟تقطع تأملاتى و نظراتى اليها التى على ما يبدو قد لاحظتها
- و لكنها نائمة الان
- انها تكون دائما هكذا عندما اتى لاصطحابها.
- اتركيها تنام و سوف احضرها اليك عندما تستيقظ ... يبدو ان عرضى هذا قد فجأها مما جعلها غير قادرة ان تجد ردا لتجيب به على عرضى مما جعلنى ابادرها قائلا:
- انت متعبة للغاية … اذهبى الى النوم انت الاخرى و عندما تستيقظ سوف احضرها اليك.
- حسنا … اعذرنى فانى اعرف انى اثقل عليك بزيارتى المتكررة هذه.
- رجاءاً ... لا تتكررى هذه الجملة مرة اخرى فانا اعلم ان عملكن كممرضات يفرض عليكم المبيت فى المشفى ليلا … و انا اخاف على صغيرتك ان تؤذى نفسها.
تبتسم وهى تنظر الى قائلا:
- شكرا لك … سوف اذهب الى شقتى الان … و لكن لا تنسى ان تحضر الطفلة … تصبح على خير.
- تصبحين على خير يا سندريلا اهمس بذلك و ان اؤمى لها برأسى قبل تتابع ابتسامتها الجذابة و هى تغادر قبل ان اغلق باب الشقة و انا اقول:
- لابد ان تقابل سندريلا اميرها فى وقت ما … حتى و ان تأخر هذا الوقت.
اكتوبر 2009