الميعاد ( فى المقهى )

الميعاد( فى المقهى)
(1)
يدخل إلي المقهى ... يجلس على تلك الطاولة البعيدة التي تكاد تختفي في احد الأركان... يأتي إليه النادل ممسكا فئ يديه فنجان القهوة المعتاد ... يميل على النادل و يهمس في أذنه ببعض الكلمات ليتلقى إشارة بالنفي ليعلو وجهه الوجوم بعدها قبل أن يرشف عدة رشفات متتالية من فنجان القهوة المستقر أمامه و هو يتابع حركة المارة في الشارع المطل عليه المقهى من خلال تلك النافذة الصغيرة التي غالبا ما يعلوها الغبار ... ينظر في ساعته و ينادى النادل ليهمس في أذنه ببعض الكلمات مرة أخرى ثم يخرج من جيبه بعض الأوراق النقدية يعطيها للنادل ثم يتناول معطفه و يخرج من المقهى مسرعا دون أن يكترث بنداءات النادل له الذي يمد يديه له بباقي حسابه.
(2)
لا أدرى لماذا أصبحت معتادا على رؤيته يوميا حتى أنى أصبحت اترك أحيانا كثيرة ما يكون امامى من عمل حتى اذهب إلى ذلك المقهى لأشاهد ذلك المشهد المتكرر يوميا ... لا ادري لماذا أصبحت فجأة مهتم بمعرفة كافة التفاصيل عن هذا الرجل الذي لا اعرف اسمه حتى الآن.
(3)
أتعمد الذهاب مبكرا إلى المقهى قبل وصوله حتى استطيع أن أتحدث إلى ذلك النادل قليلا قبل إن يأتي إلى المقهى لعلى استطيع معرفة بعض التفاصيل عن هذا الشخص الغامض.
- أتعرف ذلك الرجل الذي يأتي إلى هنا يوميا و يجلس على تلك الطاولة البعيدة ؟
- أنت تقصد ذلك المجنون . لا اعرف عنه أكثر مما تعرفه أنت حتى اسمه لم يخبرني به أبدا. لكنه يأتي كل يوم و يسألني عما اذا كانت إحداهن قد مرت بالمقهى و سألت عنه ... أغلب الظن انه ينتظر واحدة من بائعات الهوى هؤلاء اللاتي يجدن تسليتهن في التلاعب بقلوب هؤلاء الرجال المساكين أمثال هذا الرجل... انظر خلفك انه يفتح باب المقهى... اعذرني و لكن علي تحضير ذلك الفنجان من القهوة الذي يتذوقه فقط تاركا بقيته على الطاولة قبل آن يغادر.
(4)
- هل تسمح لي أن ادفع أنا حساب فنجان القهوة هذا؟
أبادره بطلبي هذا في محاولة لبدء حديث معه قبل ان يرد على
- لكن ......أقاطعه قائلا :
- يمكنك اعتباره عربون صداقة.
- صداقة... مع أنى لا أكون صداقات بهذه السرعة لكنى موافق.
(5)
- الم تأتى اليوم أيضا ؟
- من تقصد؟
- حبيبتك الحسناء التي تنتظرها.
- ما الذي أدراك أنها حسناء؟
- اعتقد أنها لو لم تكن حسناء لم تكن لتستحق هذا الانتظار الطويل
- أتدرى حتى و لو لم تكن حسناء كنت سوف انتظرها أيضا.ينظر إلى ساعته قبل ان يتحرك من مقعده ليتناول معطفه و ينادى على النادل قبل أن أبادره قائلا:
- بامكانى إن انتظرها بدلا منك حتى ابلغها رسالتك.
- تنتظرها من أجلى ... أتعلم بأنك اغرب رجل قابلته في حياتي.
أبتسم محاولا حثه على الكلام من اجل أن اعرف منه ماذا يريد أن يقول لتلك الحسناء التي ينتظرها قبل أن يقول لي:
- إذن إذا حضرت قل لها أنى قد تعبت من الانتظار.
- ولكن ألن تصفها لي حتى اعرفها من بين عشرات النساء التي يأتين إلى هنا يوميا .
- سوف تجدها أجمل الجميلات... رقيقة حالمة... يكفى حضورها ليبدد كل ما فى حياتك من هموم و ضيق ... سوف تعرفها من النظرة الأولى لأنها امرأة لا تنتمي إلى هذا الزمن البغيض... تحمل كل كلاسيكية الحب بين جفونها ... تحمل كل معاني الجاذبية في عيونها ... أتعلم حتى أعظم الشعراء غير قادر على وصفها.اعذرني على الذهاب الآن لانى تأخرت على العمل ... شكرا على القهوة.
- معذرة و لكنى ألن تخبرني عن اسمك حتى اخبرها به.
- لا داعي لانى لم التقيها من قبل ... شكرا على القهوة مرة أخرى.
يتحرك خارج المقهى ليغيب وسط جموع المارة الخارجين لتوهم من أماكن عملهم ذاهبين إلى بيوتهم ممنين أنفسهم باستقبال حافل من ذويهم بعد يوم مرهق من العمل.أفيق من استغراقي هذا على صوت النادل :
- الم اقل لك انه مجنون.
قالها و هو يرسم على وجهه ابتسامة ظافرة كأنه قد اكتشف لتوه سر الجاذبية الأرضية قبل ان أقاطع ابتسامته القبيحة تلك التى كشفت على صف من الأسنان المتباعدة و التي تساقط معظمها قائلا:
- انه ليس بمجنون انه فقط يعيش على الهامش.