عندما تخون جولييت :: الفصل الاول ::



الفصل الاول

يدق جرس الهاتف فجأة قاطعا أجواء الصمت التي تسود هذا المنزل منذ الصباح الباكر فما زالنا في الأيام الأولى من أيام الإجازة الصيفية ...
تتحرك تلك السيدة العجوز و التي قد ترك الزمن كل ما يمكنه تركه من أثار على ذلك الوجه الصبوح ببط نحو الهاتف لترفع السماعة و تجيب في صوت تأثر هو الأخر بمرور الزمن:
- الو مين معايا ؟
- الدكتور امجد موجود لو سمحتي؟
- ايوه موجود أقول له مين ؟
- سارة
- سارة مين يا حبيبتي ؟
- الدكتورة سارة كنت زميلته في الكلية
- ماشى يا حبيبتي ... ثانية واحدة أنادى عليه
تتحرك السيدة في هدوء و وقار يتناسب مع الخبرات التي اكتسبتها عبر عمرها الممتد نحو غرفة ابنها روميو و بهدوء تفتح باب الغرفة حيث يرقد ابنها على الفراش وتتجه إليه في هدوء و كأنما يعز عليها إيقاظه فهو لم يكد أن ينه امتحاناته سوى منذ أيام قليلة و لكنها في النهاية تحسم أمرها و تنادى عليه بصوت هادي جمع كل حنان الأم بين طياته :
- امجد اصحي يا حبيبي كلم تليفون
- تليفون إيه يا ماما كده على الصبح ؟
- صبح إيه يا بنى إحنا العصر ...امجد ... يا امجد قوم رد على التليفون
- هيكون مين اللي بيتصل يعنى ؟
- واحدة بتقول أنها كانت زميلتك في الكلية
- اسمها إيه ؟
- اسمها سارة
- سارة !! طب اسبقني أنت يا ماما و أنا جاي وراءك
تخرج والدة امجد من الغرفة و تذهب لتعاود حشر جسدها المترهل في ذلك الكرسي الذي بدا غاية في الصغر أمام جسدها الممتلئ لتستقر أمام التلفاز مجددا لتتابع ما تبقى من الفليم العربي الذي أضاع عليها هذا الهاتف جزء كبيرا منه غير مدركة أنها قد أنهت للتو دورها في فليم جديد تدور أحداثه داخل منزلها بكل براعة و اقتدار.
تتلاعب الأفكار و الظنون داخل رأس امجد و يظل سؤال بلا إجابة و هو لماذا تتصل به سارة الآن فلم يمضى على بدأ الإجازة سوى أيام و لكن كل ما دار في رأسه وقتها أنها ربما تكون قد افتقدته فاتصلت لتطمئن عليه خاصة و انه لم يتصل بها منذ خمسة أيام .
يخرج امجد من الغرفة في هدوء و يمسك بالهاتف من فوف المنضدة و يعود به متسللا إلى غرفته و يجلس على ذلك الفراش ليرد على الهاتف :
- الو
- الو ازيك يا امجد
- أهلا سارة ازيك ؟ وحشتينى الكام يوم اللي فاتوا دول
- وأنت كمان علشان كده أنا قولت اتصل بيك مادام انت ما بتتصلش
- معلش يا سارة بس أصلى كنت واخد الكام يوم اللي فاتوا دول نوم
- طب انت بتعمل حاجة دلوقتى ولا فاضي زى حالاتي
- فاضي طبعا
- طب إيه رأيك نخرج مع بعض شوية دلوقتى
- اوكيه نتقابل الساعة 6 عند الكافتريا اللي بنقعد فيها على طول
- ماشى ... باى
يدخل امجد إلي الحمام ليعد نفسه للقاء سارة فيجب أن يكون على نفس الدراجة من الأناقة التي اعتدتها منه سارة و خاصة انه لم يراها منذ خمسة أيام كاملة منذ أخر يوم في الامتحانات .
ينظر امجد لصورته في المرآة للمرة الخامسة ليتأكد من كل الأمور على ما يرام و ما أن يتقرب من باب الغرفة حتى يعود مرة أخرى ليضع المزيد من ذلك العطر ذو الرائحة الرائعة ثم يخرج من باب الغرفة ليصطدم باب الغرفة فتسرع والدته لتفقد الأمر لتجده واقفا عند باب الغرفة فتحيه قائلة :
- أخيرا صحيت بعد 5 أيام نوم ... و إيه الشياكة دي انت خارج و إيه
- انت إيه رأيك ؟
يدور حول نفسه مستعرضا تلك الملابس التي ارتدها لتوه و مع رائحة العطر الأخاذة التي استزاد منها مرات و مرات قبل أن يخرج من غرفته التي سجن نفسه داخلها منذ تلك المكالمة وبدلا من أن تبدي إعجابها وجدها تقول له :
- ده كله بسبب التليفون اللي جالك
- ليه بتقولي كده ؟
- يعني خمس أيام نوم و تليفون واحد يخليك بالنشاط ده كله
يصمت امجد قليلا ثم يقول :
- عايزة حاجة من بره اجيبهالك و أنا راجع
- بس ابقي سلملى على سلمى
- اسمها سارة يا ماما ... احفظي الاسم ده كويس
- ليه يعني ؟
- علشان هيبقى شكلك إيه لما تغلطي في اسم مراتى
- مراتك مرة واحدة كده ... طيب يالا علشان تلحق ميعادك
- ماشى مع السلامة
مرة أخرى تؤدى دورها في براعة و اقتدار تحسدها ابرع الفنانات عليهما حيث ودع كل من هما الأخر بابتسامة عريضة غير مدركة أنها قد تكون المرة الأخيرة التي ترى مثل تلك الضحكة علي وجه ابنها الوحيد

يتبع .....

:: رقعة الشطرنج :: قصة قصيرة ::


رقعة الشطرنج

قصة قصيرة

(1)
لا ادرى لما احسست بالرهبة و انا اتجتاز مدخل ذلك الفندق الفخم الذى اكتست جدرانه الكبيرة بالكثير من الصور للعديد من المشاهير الذين كانوا قد اقاموا هنا في يوم من الايام
لم اتخيل انى فى يوم من الايام قد ادخل الى مثل هذا المكان و لا انكر اننى طالما قد تمنيت دخوله و لكن لا ادرى لماذا اشعر بالقلق الان
لا ادرى ان كانت تلك الفخامة المنتشرة فى كل ركن من اركان هذا المكان الاشبه بالحلم هى السبب ام تلك المكالمة الغريبة التى جائتنى من ذلك الصديق القديم الذى لم اراه منذ اكثر من عشرة اعوام.
" انى اشتاق للعب الشطرنج معك مثل ما كان فى تلك الايام الماضية "
هكذا قال لى فى تلك المكالمة المقتضبة و لكن لا ازال اشعر بالقلق
" انا هنا من اجل لعب الشطرنج و فنجان من القهوة الدافئة و قليل من الذكريات المبهمة"
هكذا كنت احاول ان اطمئن نفسى.
(2)
امتد يده فى دفئ تصافح يدى و لم يكن غريبا ان تطاول المصافحة بعد غياب طويل استمر قرابة العشر سنوات
لا ادرى لما احسست ان ذلك الانسان لم يكن هو من كان صديقا لى من قبل
نعم فانا لم اعهد فى عينيه تلك النظرة الحزينة فلطالما كان اكثرنا تفاؤلا و املاً و نجاحاً ايضا
فاى نجاح اكبر من ان يحمل لقب سفير و انا لا ازال كما كنت منذ عشر سنوات و ربما ساظل هكذا مدد اطول و اطول من تلك العشر سنوات
(3)
" شطرنج و فنجان من القهوة و قليل من الذكريات المبهمة "
هكذا قولتها من دون ان يسمعنى و انا انظر الى تلك الطاولة التى استقرت فوقها تلك الرقعة الصغيرة و استقرت فوقها تلك القطع الصغيرة بجوار ذلك الابريق الذى مازال البخار يتصاعد من فوهته
(4)
- اسود او ابيض؟؟
هكذا قالها تاركا لى حرية اختيار احد اللونين لابدأ اللعب
- ابيض
- اتدرى ما الفرق الوحيد بين الشطرنج و بين عالمنا الحقيقى؟
اهز راسى بالنفى و انا لازالت اتابع وضع قطعى فى اماكنها
-الفرق الوحيد ان الشطرنج لونين فقط اما اسود او ابيض اما عالمنا الحقيقى هذا رمادى اللون
لم اتوقف كثيرا امام تلك الكلمات المبهمة بقدر ما توقفت امام نظرة الحزن التى ازدادت حدة عما قبل
لم استطع طرد فضولى فى معرفة سبب حزنه من داخلى و التركيز فى اللعبة
احاول الظهور بالاندماج فى اللعب امامه حتى لا يلحظ نظراتى اليه بين الوقت و الاخر
فاكثرنا تفاؤلا و املا اراه الان اكثرنا تشاؤما و يأسا و حزناً ايضا
(5)
-اتدرى لما لا توجد ملكة فى تلك الرقعة ؟
للمرة الثانية اهز رأسى بالنفى
- اعتقد انها تكتفى بمراقبة من يحاربون من اجلها من دون ان تلقى بالا بالتدخل فى تلك الحرب
و هل تعتقد ان الحرب تجوز فى حضرة الملكة؟؟
و لكن ترى هل تكون سعيدة بمراقبة هؤلاء الذين يموتون من اجل اسعادها؟؟
الان فقط ايقنت ان وراء نظرة الحزن تلك امراة
- اتدرى ما قد يحدث لو وجدت ملكة على تلك الرقعة؟؟
قال تلك الكلمات و هو يحاصر ملكى الابيض بقطعه السوداء اللون
ولكن قبل ان اجيبه قال:
- عندها فقط يموت الملك.
(6)
لم ادرى وقتها من كان يقصد بكلمة الملك و لكنى منذ ذلك اللقاء اصبحت ادرك انه
عندما يحب .... هكذا يموت الملك


:: الحب من غرفة المراقبة :: قصة قصيرة ::


(1)
امتدت يدي لتلتقط الجريدة التي استقرت علي الطاولة أمامي و التي اعاود قراءتها للمرة الثالثة في هذا الصباح الذي ما زال في ساعاته الأولي و كأن ملل قراءة الجريدة كان اهون علي من التحديق في تلك الشاشات المتناثرة علي الحائط أمامي.
اضع فنجان القهوة الذي كنت قد انتهيت منه لتوي علي تلك الطاولة التي استقرت بجواري بعد معاناة في ايجاد مكان لها داخل هذه الغرفة الضيقة لالتقط مكانه جهاز التحكم عن بعد و الذي اكتسب لونه الداكن من لون جدران هذه الغرفة.
اجدني اتنقل بين تلك الشاشات في حركة روتينية رتيبة فلازلت اتابع نفس الوجوه التي اعتدت رؤيتها كل يوم ... نفس الاشخاص و نفس التصرفات ... حتي أصبح في امكاني ان أتوقع حركاتهم دون ان اضطر إلي ان انظر إلي تلك الشاشات التي تظل مسلطة عليهم طوال ساعات النهار في حالة تجعلهم أقرب إلي نجوم السينما من كونهم مجرد مجموعة من العاملين الذي جاوؤا من أماكن شتي يجمعهم هدف واحد و هو الحصول علي قوت يومهم .
و في غمرة تلك الحالة من الملل التي تملأ المكان أجد نفسي أتمني حدوث أي شي من شأنه ان ينهي حالة الملل و يصل بإحساسي هذا إلي نهايته.
و رغم ان أقصي ما توقعته أو تمنيته وقتهاان تحدث مشاجرة بين أحد البائعين و الزبائن أو ان يقوم أحد الفتيان باعتراض طريق إحدي الفتيات و لكن القدر كان يحتفظ بما لم يكن في امكان ابرع الدجالين ان يتنبي بامكانية حدوثه....
(2)
تلك الخطوات الهادئة كانت أكثر ما يميزها عن غيرها فلم اعتد ان أري شخص بمثل هذا الهدوء و الرذانة فما اعتده ان كل من يأتي إلي هذا المكان ان يكون علي حالة من الاستعجال و السرعة مما يجعلك في امكانك مجرد التقاط بعض من التفاصيل العابرة.
و لكن تلك الخطوات الهادئة أتاحت لي ان التقط كل تفاصيل ذلك الوجه الملاكي الصغير ... تلك العيون الواسعة التي اكتسبت لونها من لون الليل الواسع و ذلك الأنف الدقيق الذي توسط ذلك الوجه الجميل و تلك الخصلات القليلة التي انسابت علي وجهها من ذلك الشعر الأسود الذي عصبته إلي الخلف ذلك الأمر الذي اكسبها حالة غير طبيعية من الاشراقة و الجاذبية.
تتوالي ضغطاتي علي أزرار جهاز التحكم متتبعا كل تحركاتها عبر مرورها امام تلك الكاميرات المنتشرة في المكان ... قد تكون هذه المرة الأولي التي أشعر فيها بالسعادة لمراقبة تلك الشاشات.
(3)
لا ادري لماذا ادمنت التحديق في تلك الشاشات منذ ذلك اليوم ... لا ادري لما أصبحت احس بطول الليل ... لا ادري ماذا أصبحت أمضي ليلي في مراقبة عقارب تلك الساعة في تحركاتها الرتيبة في انتظار أول خيوط ضوء الشمس حتي أجد نفسي خارج الفراش الذي ظل علي حالته من الليلة السابقة ... لا ادري لم أصبحت اسابق الزمن لاصل إلي جهاز التحكم في تلك الشاشات في انتظار لحظة وصولها مثل كل يوم ...
هل هو الحب و لكن أي حب ينبت وسط كل تلك الاسلاك و الشاشات المتشابكة ... أي حب يولد بين شخصان إحداهما لا يدري شيء عن الآخر ... أي حب يكون بين من اراقبه و أحفظ حركاته عن ظهر قلب و من لا يعلم حتي بوجودي ... انه فقط الحب من غرفة المراقبة ...
لم اعهد في نفسي كل هذا الخوف و القلق مثل ما أشعر به الآن ... نعم فاليوم فقط قررت الخروج من عالم الظل إلي عالم النور ... فاليوم فقط قررت انها يجب ان تعرف عن حبي لها كل شيء.
(4)
اظل اتنقل بين تلك الشاشات في انتظار ظهورها و ما ان مرت دقائق حتي ظهرت امام و بدلا من أمضي وقتي في التحديق في ذلك الوجه وجدتني أسرع نحوها و ان أدعو الا يصيبها أي مكروه ...
وجدتني في لحظات أنسي كل شيء عن أمر مصارحتها و أصبح كل همي انقاذها من ذلك الشخص الذي يحاول اعتراض طريقها ... أحسست وقتها اني اسمع نبضات قلبي الذي خيل لي انه ينطق بحروف اسمها الذي لم اعرفه في يوم من الأيام ... أحسست وقتها بطول المسافة التي لا تتجاوز مترات معدودة .
(5)
لم استغرق لحظات في ابعاد ذلك الشخص الغريب و ما أن التفت إلي الخلف حتي أدركت مدي ذلك الجمال الذي طالما عشقته و لكن قبل ان ينطق لساني بذلك الأمر الذي عزمت عليه من أول اليوم وجدت صوتها يقاطعني قائلة
" أرجو ان تقبل مني هذا المبلغ المتواضع نظير شهامتك "
لا ادري لماذا وجدت نفسي اضحك في حالة أشبه إلي الجنون و أنا اصرخ قائلا " منذ متي و قد اسموك شهامة أيها الحب ... و بأي ثمن يقدرونك "
" مجنون "
هكذا نطقت و هي تبتعد عني
لا ادري لماذا أحسست انها محقة فأي جنون أكثر من ان يكون حبي لها مجرد ...
حب من غرفة المراقبة ...

فليمت حبك


فليمت حبك....
فلقد اضناننى غرورك...
مخطئة ان تصورت ان يأتى يوم استجدى فيه حبك...
فليمت حبك....
و لا تتعبي نفسك في تخيل لحظة سقوطي....
فلست أنا الذي يجبره قلبه علي السقوط....
فليمت حبك....
لا بل ليمت قلبي الذي احبك...
و لتبحثى عن غيري ممن يقبل أن ذليلك...
و يكفينى منك ذكرى حب حكم عليه بالموت....
قبل أن يولد....

على الهامش




عندما تأخدنا الحياة ...

يظل هنالك بضعة بقايا من الاشخاص فى مكانهم ...

هنالك يعيشون ...

فى عالمهم الخاص ...

قد نجده اكثر اشراقا ...

او اكثر غموضا ...

قد يكون اكثر رقيا ...

او اكثر فوضوية ...

لكنه بأى حال يظل عالمهم الخاص ...

عالم يعج بالكثير من الواقع ...

و الكثير من الخيال...

هنالك يعيشون فى ذلك العالم ...

على الهامش ...

حيث لا نراهم ...

و قد لا نشعر بهم...

ولكننا لا نستطيع انكار وجودهم...

فاليكم يا من تعيشون على الهوامش...

اكتب ...
واليكم ...
تحياتى ...